الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ } أي: لمن أسر أو جهر أو استخفى أو سرب، ملائكة يتعاقبون عليه { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي: من جوانبه كلها، أو من أعماله، ما قدم وأخر { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي: يراقبون ما يلفظ من قول وما يأتي من عمل، خيراً أو شراً، بأمره وإذنه، أو من أجل أمره لهم بحفظه. فـ (من) تعليلية أو بمعنى باء السببية. ولا فرق بين العلة والسبب عند النحاة، وإن فرق بينهما أهل المعقول.

وفي (الصحيح): " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون وتركناهم وهم يصلّون! ".

وفي الحديث الآخر: " إن معكم من لا يفارقكم إلاّ عند الخلاء، وعند الجماع. فاستحيوهم وأكرموهم ".

و (المعقبات) جمع معقبة. من (عقّب) مبالغة في (عقَب) فالتفعيل للمبالغة والزيادة في التعقيب. فهو تكثير للفعل أو الفاعل، لا للتعْدية، لأن ثلاثيّه متعدّ بنفسه. وأصل معنى (العقب) مؤخر الرِّجْل. ثم تجوّز به عن كون الفعل بغير فاصل ومهلة. كأن أحدهم يطأ عقب الآخر. قال الراغب: عقبه إذا تلاه. نحو دَبَرَهُ وقَفَاهُ. وقيل: هو من (اعتقب) أدغمت التاء في القاف؛ وردّوه بأن التاء لا تدغم في القاف من كلمة أو كلمتين. وقد قال أهل التصريف: إن القاف والكاف، كل منهما يدغم في الآخر ولا يدغمان في غيرهما. والتاء في (معقبة) واحدة (المعقبات) للمبالغة لا للتأنيث، لأن الملائكة لا توصف به. مثل نسابة وعلامة. أو هي صفة جماعة وطائفة. و { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ } ظرف مستقر صفة { مُعَقِّبَاتٌ } أو ظرف لغو متعلق بها، و { مِّن } لابتداء الغاية، أو حال من الضمير الذي في الظرف الواقع خبراً. والكلام على هذه الأوجه يتم عند قوله { وَمِنْ خَلْفِهِ }. ويجوز أن يكون ظرفاً لـ { يَحْفَظُونَهُ } أي: معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، أي: تحفظ ما قدم وأخر من الأعمال، كناية عن حفظ جميع أعماله. ويجوز أن يكون { يَحْفَظُونَهُ } صفة لـ { مُعَقِّبَاتٌ } أو حالاً من الظرف قبله، بمعنى أن المعقبات محيطة بجميع جوانبه.

تنبيهات

الأول: ما قدمناه في الآية هو الأشهر. وعن ابن عباس: هو السلطان الذي له حرس من بين يديه ومن خلفه.

قال الزمخشري: أي: يحفظونه في توهمه وتقديره، من أمر الله. أي: من قضاياه ونوازله. أو على التهكم به.

قال الرازي: وهذا القول اختاره أبو مسلم الأصفهاني. والمعنى: أنه يستوي في علم الله تعالى السرّ والجهر، والمستخفي بظلمة الليل والسارب بالنهار المستظهر بالأعوان والأنصار وهم الملوك والأمراء! فمن لجأ إلى الليل فلن يفوت الله أمره، ومن سار نهاراً بالمعقبات - وهم الحراس والأعوان الذين يحفظونه - لم ينجه حرسه من الله تعالى! والمعقب العون.

السابقالتالي
2 3 4