الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }

{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ } أي: في نفسه { وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } أي: لغيره { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ } أي: طالب الخفاء في مختبأ بالليل في ظلمته { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } أي: ذاهب في سربه، أي: في طريقه يبصره كل أحد.

لطيفة

قيل: إن (سواء) بمعنى الاستواء وهو يقتضي ذكر شيئين، وهنا إذا كان { وَسَارِبٌ } معطوفاً على جزء الصلة أو الصفة، يكون شيئاً واحداً.

وأجيب عنه بوجهين: الأول: أن { وَسَارِبٌ } معطوف على { مَنْ هُوَ } لا على { مُسْتَخْفٍ } كأنه قيل: سواء منكم إنسان هو مستخف وآخر هو سارب. والثاني: إنه عطف على { مُسْتَخْفٍ }. إلا أن { مَنْ } في معنى الاثنين كقوله:
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ ياَ ذِئِبُ يَصْطَحِبَانِ   
كأنه قيل: سواء منكم اثنان هما مستخف وسارب. وعلى الوجهين (من) موصوفة لا موصولة. فيحمل الأولان على ذلك ليتوافق الكل.

وهناك وجه آخر: وهو أن يكون الموصول محذوفاً وصلته باقية؛ والمعنى: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار. وحذف الموصول المعطوف وبقاء صلته شائع.

خصوصاً وقد تكرر الموصول في الآية ثلاثاً. ومنه قوله تعالى:وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } [الأحقاف: 9] والأصل: ولا ما يفعل بكم. وإلا كان حرف النفي دخيلاً في غير موضعه. لأن الجملة الثانية لو قدرت داخلة في صلة الأول بواسطة العاطف، لم يكن للنفي موقع، وإنما صحب في الأول الموصول لا الصلة، ومنه قول حسان رضي الله عنه:
فَمَنْ يَهْجُو رسول الله منكم   ويمدحُهُ وينصرهُ سَوَاءُ!
أي: ومن يمدحه وينصره.

وهذا الأخير نقله الناصر في (الانتصاف) وهو وجيه جدّاً. وأما تضعيف غيره له، بلزوم حذف الموصول وصدر الصلة معاً، وأن النجاة، وإن ذكروا جواز كل منهما، لكن اجتماعهما منكر - فهو المنكر، لأن أسلوب التنزيل هو الحجة، وإليه التحاكم في كل فنٍ ومحجّة، والجمود على القواعد ورد ما خالفها، إليها - من التعصّب واللجاج، والغفلة عن مقام التنزيل في الاحتجاج!