الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }

{ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } أي: على يوسف بعدما رجعوا إلى مصر، ولانفهامه من المقام طوى ذكره إيجازاً { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ } أي: الملك القادر، المتمنع، { مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } أي: الشدة من الجدب، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } أي: بدراهم قليلة في مقابلة ما نمتاره. استقلوا الثمن واستحقروه اتضاعاً لهيبة الملك، واستجلاباً لرأفته وحنانه. وأصل معنى (التزجية): الدفع والرمي، فكنوا به عن القليل الذي يدفع، رغبة عنه، لذلك { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } أي: أتممه ووفره بهذه الدراهم المزجاة، كما توفره بالدراهم الجياد. { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } أي: برد أخينا، أو بالإيفاء، أو بالمسامحة وقبول ما لا يعد عوضاً. { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } أي: يثيبهم أحسن المثوبة.

تنبيهات

الأول: في الآية إرشاد إلى أدب جليل، وهو تقديم الوسائل أمام المآرب، فإنها أنجح لها. وهكذا فعل هؤلاء: قدموا ما ذكر من رقة الحال، والتمسكن، وتصغير العوض، ولم يفجؤوه بحاجتهم، ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم، ببعث الشفقة، وهز العطف والرأفة، وتحريك سلسلة الرحمة - كما قدمنا - ومن ثم، رق لهم، وملكته الرحمة عليهم، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه، - كما يأتي.

الثاني: يؤخذ من الآية جواز شكوى الحاجة لمن يرجى منه إزالتها.

الثالث: استدل بعضهم بقوله تعالى: { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } على أن أجرة الكيال على البائع؛ لأنه إذا كان عليه توفية الكيل، فعليه مؤنته، وما يتم به.

الرابع: استدل بقوله تعالى: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } من قال: إن الصدقة لم تكن محرمة على الأنبياء - كذا في الإكليل - وهذا بعد تسليم نبوة إخوة يوسف. وفيها خلاف. وسيأتي في التنبيهات، آخر السورة، تحقيق ذلك.

الخامس: في قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } حثٌّ على الإحسان، وإشارة إلى أن المحسِن يجزى أحسن جزاء منه تعالى، وإن لم يجزه المحسن إليه. ثم بين تعالى رأفة يوسف بتعرفه إليهم بقوله:

{ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم... }.