الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } أي: من الأبواب المتفرقة { مَّا كَانَ } أي: ذلك الدخول { يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } أي: أبداها، { وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } أي: علم جليل، لتعليمنا إياه بالوحي، ونصب الأدلة، حيث لم يعتقد أن الحذر، يدفع القدر، وأن التدبير له حظ من التأثير. وفي تأكيد الجملة بـ (إن) و (اللام) وتنكير العلم، وتعليله بالتعليم المسند إلى ذاته سبحانه، من الدلالة على شأن يعقوب عليه السلام، وعلو مرتبة علمه وفخامته، ما لا يخفى - أفاده أبو السعود.

{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: فيظنون الأسباب مؤثرات.

قال ابن حزم في (الملل): كان أمر يعقوب عليه السلام بدخولهم من أبواب متفرقة، إشفاقاً عليهم، إما من إصابة العين، وإما من تعرض عدو، أو مستريب بإجماعهم، أو ببعض ما يخوفه عليهم. وهو عليه السلام معترف أن فعله ذلك، وأمره إياهم بما أمرهم به من ذلك، لا يغني عنهم من الله شيئاً يريده عز وجل بهم ولكن لما كانت طبيعة البشر جارية في يعقوب عليه السلام، وفي سائر الأنبياء عليهم السلام، كما قال تعالى حاكياً عن الرسل أنهم قالوا:إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [إبراهيم: 11] حملهم ذلك على بعض النظر المخفف لحاجة النفس ونزاعها وتوقها إلى سلامة من تحب، وإن كان ذلك لا يغني شيئاً، كما كان عليه السلام يحب الفأل الحسن.

تنبيه

قال السيوطي في (الإكليل): في هذه الآية - على ما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما - أن العين حق، وأن الحذر لا يرد القدر. ومع ذلك لا بد من ملاحظة الأسباب. انتهى.

وقال بعض اليمانيين: لهذه الجملة ثمرات وهي: استحباب البعد عن مضار العباد، والحذر عنها، فأما فعل الله تعالى فلا يغني الحذر عنه. ثم قال: وفي (التهذيب) أن أبا علي أنكر الضرر بالعين، وهو مروي عن جماعة من المتكلمين.

وصحح الحاكم والأمير الحسين وغيرهما جواز ذلك، لأخبار وردت فيها، ثم قال: واختلف من أين أتت المضرة الحاصلة بالعين. فمن قائل: بأنه يخرج من عين العائن شعاع يتصل بمن يراه، فيؤثر فيه تأثير السم. وضعفه الحاكم بأنه لو كان كذلك، لما اختص ببعض الأشياء دون بعض، ولأن الجواهر متماثلة، فلا يؤثر بعضها في بعض. ومن قائل: بأنه فعل العائن قال: وهذا لا يصح، لأن الجسم لا يفعل في جسم آخر شيئاً إلا بمماسته، أو ما في حكمها من الاعتمادات، ولأنه لو كان فعله، وقف على اختياره. ومن قائل: بأنه فعل الله، أجرى الله العادة بذلك لضرب من الإصلاح، وصحح هذا الحاكم، وهو الذي ذكره الزمخشري والأمير الحسين، وهو قول أبي هاشم.

السابقالتالي
2 3 4