الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } أي: من دون الله { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } يعني أنكم سميتم، ما لا يستحق الإلهية، آلهة، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء فارغة لا مسميات تحتها { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أي: حجة تدل على صحتها { إِنِ ٱلْحُكْمُ } أي: في أمر العبادة والدين { إِلاَّ للَّهِ } لأنه مالك، وهو لم يحكم بعبادتها، لأنه { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } لأن العبادة غاية التذلل، فلا يستحقها إلا من له غاية العظمة، { ذٰلِكَ } أي: التوحيد الدال على كمال عظمة الله، بحيث لا يشاركه فيها غيره { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } أي: الحق المستقيم الثابت، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: لجهلهم، ولذا كان أكثرهم مشركين.

تنبيه

لا يخفى أن قوله تعالى:قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ } [يوسف: 37] إلى هنا، مقدمة لجواب سؤالهما عن تعبير رؤياهما، مهد، عليه السلام، بها له ليدعوهما إلى التوحيد، ليزدادا علماً بعظم شأنه، وثقة بأمره، توسلاً بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه من هدايتهما، لا سيما وأن أحدهما ستعاجله منيته بالصلب، فرجا أن يختم له بخير.

قال الزمخشري: لما استعبراه ووصفاه بالإحسان، افترض ذلك، فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء، وهو الإخبار بالغيب، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام، وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد، ويعرض عليهما الإيمان، ويزينه لهما، ويقبح إليهما الشرك بالله. وهذه طريقة، على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة إذا استفتاه واحد منهم، أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة الحسنة والنصيحة أولاً، ويدعوه إلى ما هو أولى به، وأوجب عليه مما استفتي فيه، ثم يفتيه بعد ذلك. وفيه، أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم، فوصف نفسه بما هو بصدده - وغرضه أن يقتبس منه، وينتفع به في الدين لم يكن من باب التزكية. انتهى.

وبعد تحقيق الحق، ودعوتهما إليه، وبيانه لهما مرتبة علمه، شرع في تفسير ما استفسراه. ولكونه بحثاً مغايراً لما سبق، فصله عنه بتكرير الخطاب فقال:

{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ... }.