الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }

{ وَٱتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـيۤ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } هذه الجملة إما مسوقة لبيان علة تعليم الله له بالوحي والإلهام، أي: خصني بذلك لترك الكفر، وسلوك طريق آبائي المرسلين، أو كلام مستأنف، ذكر تمهيداً للدعوة، وإظهار أنه من بيت النبوة، لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه، والوثوق به. والمراد بتركه ملة الكفر الامتناع عنها رأسا، كما يفصح عنه قوله: { مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } ، أي: ما صح ولا استقام ذلك لنا، فضلاً عن الوقوع. وإنما عبر عنه بذلك، لكونه أدخل بحساب الظاهر في اقتدائهما به عليه السلام. والتخصيص بهم، مع أن الشرك لا يصح من غيرهم أيضاً، لأنه يثبت بالطريق الأولى. أو المراد نفي الوقوع منهم لعصمتهم. وتكرير (هم) للدلالة على اختصاصهم، وتأكيد كفرهم بالآخرة. وزيادة (من) في المفعول، أعني { مِن شَيْءٍ } لتأكيد العموم، أي: لا نشرك به شيئا من الأشياء، قليلاً أو حقيراً، صنماً أو ملكاً أو جنيّا أو غير ذلك.

وقوله: { ذٰلِكَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ } يعني عدم الإشراك بالله، وهو التوحيد، من نعم الله العامة، التي يجب شكره تعالى على الهداية لها بالفطر السليمة، ونصب الدلائل الأنفسية والآفاقية.

ثم أن أكثر الناس نبذوا هذه النعمة بعدما حق عليهم شكرها.

ولما ذكر، عليه السلام، ما هو عليه من الدين القويم، تلطف في الاستدلال على بطلان ما عليه قومهما من عبادة الأصنام، فضرب لهما مثلاً يتضح به الحق اتضاح بقوله:

{ يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ... }.