الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }

{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أي: اغتيابهن، وسوء قالتهن. استعير (المكر) لـ (لغيبة) لشبهها له في الإخفاء. أو (المكر) على حقيقته، وكن قلن ذلك لتريهن يوسف.

{ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي: تدعوهن للضيافة، مكراً بهن، { وَأَعْتَدَتْ } أي: أحضرت وهيأت، { لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أي: ما يتكئن عليه من الوسائد، { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } أي: ليعالجن بها ما يأكلن من الفواكه ونحوها. { وَقَالَتِ } أي: ليوسف { ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } أي: ابرز إليهن.

قال الزمخشري: قصدت بتلك الهيأة - وهي قعودهن متكئات، والسكاكين في أيديهن أن يدهشن ويبهتن عند رؤيته، ويشغلن عن نفوسهن، فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها، لأن المتكيء إذا بُهت لشيء وقعت يده على يده، فتكبتهن بالحجة. وقد كان ذلك كما قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي: أعظمنه، وهبن حسنه الفائق، { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أي: جرحنها، كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي، تريد: جرحتها. { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } حاش: أصله حاشا، وحذفت ألفه تخفيفا، وبها قرأ أبو عمرو في الدرج، أي: تنزيها له سبحانه عن صفات النقص والعجز، وتعجباً من قدرته على مثل ذلك الصنع البديع. وإنما نفين عنه البشرية لغرابة جماله، وأثبتن له الملكية على نهج القصر، بناء على ما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان. ولذلك يُشَبَّه كل متناه في الحسن والقبح، بهما.