الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ }

{ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ } لأنه أمارة إدباره عنها، بسب أنها تبعته، واجتذبت ثوبه إليها فقدته.

ومن اللطائف ما قيل: إن هذا الشاهد أراد أن لا يكون هو الفاضح لها، ووثق بأن انقطاع قميصه إنما كان من دبر، فنصبه أمارة لصدقه وكذبها. ثم ذكر القسم الآخر، وهو قدّه من قُبُل، على علم بأنه لم ينقد من قبل حتى ينفي عن نفسه التهمة في الشهادة، وقصد الفضيحة، وينصفهما جميعاً، فيذكر أمارة على صدقها المعلوم نفيه، كما ذكر أمارة على صدقه المعلوم وجوده، ومن ثم قدم أمارة على صدقها، على أمارة صدقه في الذكر، إزاحة للتهمة، ووثوقاً بأن الأمارة الثانية الواقعة، فلا يضره تأخيرها. وهذه اللطيفة بعينها - والله أعلم - هي التي راعاها مؤمن آل فرعون في قوله:وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } [غافر: 28] فقدم قسم الكذب على قسم الصدق، إزاحة للتهمة التي خشي أن تتطرق إليه في حق موسى عليه السلام، ووثوقاً بأن القسم الثاني وهو صدقه، هو الواقع، فلا يضره تأخيره في الذكر لهذه الفائدة. ومن ثم قال: { بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ } ، ولم يقل: كل ما يعدكم، تعريضاً بأنه معهم عليه، وأنه حريص على أن يبخسه حقه. وينحو هذا النحو تأخير يوسف عليه السلام، لكشف وعاء أخيه الآتي ذكره، لأنه لو بدأ به لفطنوا أنه هو الذي أمر بوضع السقاية فيه - والله أعلم.