الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } بيان لما تآمروا عليه من المكيدة، وهو أنهم أخذوا قميصه الموشى، وغمسوه في دم معز كانوا ذبحوه. و { كَذِبٍ } مصدر بتقدير مضاف، أي: ذي كذب. أو وصف به مبالغة، كرجل عدل. و { عَلَىٰ } ظرف لـ { جَآءُوا } مشعر بتضمنه معنى (افتروا).

وقوله: { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } أي: من تغيب يوسف، وتفريقه عني، والاعتذار الكاذب.

قال الناصر: وقواه على اتهامهم، أنهم ادعوا الوجه الخاص الذي خاف يعقوب، عليه السلام، هلاكه بسببه أولاً، وهو أكل الذئب، فاتهمهم أن يكونوا تلقفوا العذر من قوله لهم:وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ } [يوسف: 13]، وكثيراً ما تتفق الأعذار الباطلة، من قلق في المخاطب المعتذر إليه، حتى كان بعض أمراء المؤمنين يلقنون السارق الإنكار. انتهى.

وفي (الإكليل): استنبط، من هذا الحكم بالأمارات، والنظر إلى التهمة، حيث قال: { بَلْ سَوَّلَتْ }... الآية.

لطائف

قال المهايمي: في الآية من الفوائد أن الجاه يدعو إلى الحسد، كالمال، وهو يمنع من المحبة الأصلية من القرابة ونحوها، بل يجعل عداوتهم أشد من عداوة الأجانب، وأن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود، وبمن يراعيه، وأنه إنما يكون برؤية الماكر نفسه أكمل عقلاً من الممكور. وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة، بل أظهره فعلاً، لم يعتمد عليه. وكذا من أظهر الأمانة قولاً وفعلاً يفعل الخيانة، وأن الإذلال والإعزاز بيد الله، لا الخلق، وأن من طلب مراده بمعصية الله بعد عنه. وأن الخوف من الخلق يورث البلاء، وأن الإنسان، وإن كان نبياً، يخلق أولاً على طبع البشرية. وأن اتباع الشهوات يورث الحزن الطويل. وأن القدر كائن، وأن الحذر لا يغني من القدر.

قيل للهدهد: كيف ترى الماء تحت الأرض، ولا ترى الشبكة فوقها؟ قال: إذا جاء القضاء عمي البصر.

و (التسويل) تزيين النفس للمرء ما يحرص عليه، وتصوير القبيح بصورة الحسن.

{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ } { صَبْرٌ } خبر أو مبتدأ، لكونه موصوفاً، أي: فشأني صبر جميل. أو فصبر جميل أجمل. والصبر قوة للنفس على احتمال الآلام كالمصائب إذا عرضت، والجميل منه هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ولا جزع، رضا بقضاء الله، ووقوفاً مع مقتضى العبودية.

{ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أي: المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف - كذا قدروه - وحقق أبو السعود؛ أن المعنى على إظهار حال ما تصفون، وبيان كونه كذبا، وإظهار سلامته، فإنه علم في الكذب. قال سبحانه:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180] وهو الأليق بما سيجيء من قوله تعالى:فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً } [يوسف: 83] وتفسير المستعان عليه باحتمال ما يصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزء فيه - يأباه تكذبيه عليه السلام لهم في ذلك، ولا يساعده الصيغة، فإنها قد غلبت في وصف الشيء بما ليس فيه، كما أشير إليه.

السابقالتالي
2