الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } الضمير ليوسف وإخوته، أو للأنبياء وأممهم. ورجح الزمخشري الثاني بقراءة " قِصَصِهم " بكسر القاف، جمع قصة، والمفتوح مصدر بمعنى المفعول. وأجيب بأن قصة يوسف وأبيه وإخوته مشتملة على قصص وأخبار مختلفة، وقد يطلق الجمع على الواحد، كما مرّ فيأَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } [يوسف: 44]. وسنذكر وجوه العبر منها بعونه تعالى.

{ مَا كَانَ } أي: القرآن المدلول عليه بما سبق دلالة واضحة { حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } أي: يختلق. { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي: من الكتب المنزلة، فهو يصدق ما فيها من الصحيح، وينفي ما وقع فيها من تحريف وتبديل وتغيير، ويحكم عليها بالنسخ أو التقرير.

قال بعض المحققين: المراد به أن قصص القرآن ليست مخترعة ولا مفتراة، بدليل وجود أمثالها بين الناس، قبل نزوله. فهي وإن اختلفت قليلاً في بعض التفاصيل والجزئيات، عما يرويه الناس، إلا أنها توافقها في الجملة، وتصدقها في الجوهر. فلا تظنوا أيها المشركون أن النبي اخترعها بعقله، بل اسألوا عنها أهل الكتاب، تجدوا أنها معروفة بينهم، ومروية في كتبهم. فوجود قصص القرآن عند الناس من قبل، من أعظم ما يصدقه ويؤيده؛ لأن النبيّ صلوات الله عليه، لم يطلع على كتب أهل الكتاب. ولا يتوهم من هذه الآية أن قصص القرآن يجب أن لا تختلف عن قصص التوراة والإنجيل في شيء ما، كلا! إذ لو صح هذا لما قال تعالى:إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النمل: 76] فقصصه قد تختلف عما عندهم وتبين لهم حقه من باطله، فلا منافاة بين تصديق القرآن لقصصهم في الجملة، ومخالفته لها في بعض الجزئيات - كما قلنا - ويجوز أن يكون المراد بقوله: { تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } ، تصديق الحق الذي عندهم، لا كل الذي عندهم، وإلا لدخل في ذلك عقائدهم الفاسدة وأوهامهم وخرافاتهم وغيرها، مما جاء القرآن لإزالته ومحقه، ويستحيل أن يكون مصدقاً لما جاء لإبطاله. فتنبه لذلك، ولا تكن من الغافلين. انتهى.

وقوله تعالى: { وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ } أي: تبيان كل ما يحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والآداب والأخلاق، ووجوه العبر والعظات. ولذا كان أعظم ما تنقذ به القلوب من الغيّ إلى الرشاد، ومن الضلال إلى السداد، وتبتغي به الرحمة من رب العباد، كما قال تعالى: { وَهُدًى } أي: من الضلالة { وَرَحْمَةً } أي: من العذاب { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: يصدقون به، ويعلمون بأمره، فإن الإيمان قول وعَقْدٌ وعمل، وخصهم لأنهم المنتفعون به.

خاتمة في مباحث مهمة

الأول: فيما قيل في وجوه العبر في هذا القصص:

قال في (اللباب): الاعتبار والعبرة: الحالة التي يتوصل بها الإنسان من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد