الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ } أي: من إجابة قومهم، { وَظَنُّوۤاْ } أي: علموا وتيقنوا. يعني: الرسل، { أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا } يقرأ " كُذِّبوا " بضم الكاف وتشديد الذال. أي: كذبهم قومهم بما جاؤوا به، لطول البلاء عليهم. ويقرأ بضم الكاف وتخفيف الذال. فالضمير في { ظَنُّوۤاْ } - على ما اختاروه - للقوم. أي: ظنوا أن الرسل قد كذبوا. أي: ما وعدوا به من النصر.

وروي عن ابن عباس أن الضمير للرسل. أي: وظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر، وقال: كانوا بشراً، وتلا قوله تعالى:حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } [البقرة: 214]، وقد استشكلوه على ابن عباس، وتأولوا لكلامه وجوهاً:

قال الزمخشري: أراد بالظن ما يخطر بالبال، ويهجس في القلب، من شبه الوسوسة، وحديث النفس، على ما عليه البشرية. انتهى.

وقيل: المراد بظنهم عليهم السلام ذلك، المبالغة في التراخي والإمهال، على طريق الاستعارة التمثيلية، بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب، باعتبار استلزام كل منهما لعدم ترتب المطلوب، فاستعمل ما لأحدهما للآخر.

وقال الخطابي: لا شك أن ابن عباس لا يجيز على الرسل أنها تُكْذَبُ بالوحي، ولا تشك في صدق المخبر، فيحمل كلامه على أنه أراد أنهم، لطول البلاء عليهم، وإبطاء النصر، وشدة استنجاز ما وعدوا به - توهموا أن الذي جاءهم من الوحي كان حسباناً من أنفسهم وظنوا عليها الغلط في تلقي ما ورد عليهم من ذلك، فيكون الذي بني له الفعل أنفسهم، لا الآتي بالوحي. والمراد بـ (الكذب): الغلط، لا حقيقة الكذب. كما يقول القائل: كذبتك نفسك.

قال الحافظ ابن حجر: ويؤيده قراءة مجاهد { وظنوا أنهم قد كَذِبوا } بفتح أوله مع التخفيف أي: غلطوا. ويكون فاعل { وَظَنُّوۤاْ } الرسل.

وقال أبو نصر القشيريّ: ولا يبعد أن المراد خطر بقلب الرسل، فصرفوه عن أنفسهم، أو المعنى: قربوا من الظن، كما يقال: بلغت المنزل، إذا قربت منه.

وقال الترمذيّ الحكيم: وجهه: أن الرسل كانت تخاف بعد أن وعدهم الله النصر، أن يتخلف النصر، لا من تهمة بوعد الله، بل لتهمة النفوس أن تكون قد أحدثت حدثا ينقض ذلك الشرط، فكان الأمر إذا طال، واشتد البلاء عليهم، دخلهم الظن من هذه الجهة.

وحكى الواحدي عن ابن الأنباريّ أنه قال: ما روي عن ابن عباس غير معول عليه، وأنه ليس من كلامه، بل تُؤُوّل عليه.

قال ابن حجر: وعجب لابن الأنباريّ في جزمه بأنه لا يصح، ثم للزمخشريّ في توقفه عن صحة ذلك عن ابن عباس، فإنه صح عنه، أي: فرواه البخاري في تفسير البقرة بلفظ: ذَهَبَ بها هناك، وأشار إلى السماء، وزاد الإسماعيلي عنه: كانوا بشراً ضعفوا وأيسوا وظنوا أنهم قد كذبوا.

السابقالتالي
2