الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } أي: هذه السبيل، التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد، سبيلي، أي: طريقي ومسلكي وسنتي. والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان. ثم فسر سبيله: بقوله: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } أي: إلى دينه وتوحيده، ومعرفته بصفات كماله، ونعوت جلاله { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } أي: مع حجة واضحة، غير عمياء. { أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } أي: آمن بي، يدعون إلى الله أيضاً على بصيرة، لا على هوى. { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } أي: وأنزهه وأجله وأقدسه عن أن يكون له شريك أو ندّ أو كفء أو ولد أو صاحبة، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: على دينهم.

تنبيهات

الأول: قال السمين: { أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ } يجوز أن يكون مستأنفا، وهو الظاهر، وأن يكون حالا من الياء. و { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } حال من فاعل { أَدْعُو } أي: أدعو كائناً على بصيرة، وقوله: { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطف على فاعل { أَدْعُو } ، ولذلك أكد بالضمير المنفصل. ويجوز أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف. أي: ومن اتبعني يدعو أيضاً، ويجوز أن يكون { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } خبراً مقدما، و { أَنَاْ } مبتدأ مؤخراً، و { وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي } عطف عليه ومفعول { أَدْعُو } إما منويّ، أي: الناس، أو منسيّ.

الثاني: دل قوله تعالى: { عَلَىٰ بَصِيرَةٍ } على مزية هذا الدين الحنيف، ونهجه الذي انفرد به، وهو أنه لم يطلب التسليم به لمجرد أنه جاء بحكايته، ولكنه ادعى وبرهن وحكى مذاهب المخالفين، وكرّ عليها بالحجة، وخاطب العقل، واستنهض الفكر، وعرض نظام الأكوان، وما فيها من الإحكام والإتقان، على أنظار العقول، وطالبها بالإمعان فيها لتصل بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه ودعا إليه - انظر: (رسالة التوحيد) في تتمة ذلك.

الثالث: دلت الآية على أن سيرة أتباعه صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى الله.

قال الرازي: كل من ذكر الحجة، وأجاب عن الشبهة، فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله وهذا يدل على أن الدعاء إلى الله تعالى إنما يحسن ويجوز مع هذا الشرط: وهو أن يكون على بصيرة مما يقول، وعلى هدى ويقين، فإن لم يكن كذلك، فهو محض الغرور. انتهى. ولا يخفى أن الدعوة إلى الله إنما هي بنشر مطالب الدين، وإذاعة آدابه وتعاليمه.

قال بعضهم: ينبغي للعالم أن يكون حديثه مع العامة، في حال مخالطته ومجالسته لهم في بيان الواجبات والمحرمات، ونوافل الطاعات، وذكر الثواب والعقاب، على الإحسان والإساءة. ويكون كلامه معهم بعبارة قريبة واضحة يعرفونها ويفهمونها، ويزيد بياناً للأمور التي يعلم أنهم ملابسون لها ولا يسكت حتى يسأل عن شيء من العلم، وهو يعلم أنهم محتاجون إليه، ومضطرون له، فإن علمه بذلك سؤال منهم بلسان الحال، والعامة قد غلب عليهم التساهل بأمر الدين، علماً وعملا، فلا ينبغي للعلماء أن يساعدوهم على ذلك بالسكوت عن تعليمهم وإرشادهم، فيعم الهلاك ويعظم البلاء.

السابقالتالي
2