الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ } أي: بعضاً منه عظيما، وهو ملك مصر، { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي: تعبير الرؤيا، { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: مبدعهما وخالقهما { أَنتَ وَلِيِّي } أي: مالك أموري، { فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } أي: من النبيين والمرسلين، دعا يوسف عليه السلام بهذا الدعاء لما تمت نعمة الله عليه، باجتماعه بأبويه وإخوته، وما آثره به من العلم والملك، فسأل ربه عز وجل، كما أتم عليه نعمته في الدنيا، أن يحفظها عليه باقي عمره، حتى إذا حان أجله قبضه على الإسلام، وألحقه بالصالحين. فليس فيه تمنّ للموت، وطلب التوفي منجزاً - كما قيل.

روى الإمام أحمد والشيخان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، إن كان محسناً فيزداد، وإن كان مسيئاً فلعله يستعتب. ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي " وفي رواية: " وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ".

تنبيهان

الأول: في فقه هذه الآيات: قال بعض اليمانيين: يستدل مما روي أن يوسف خرج للقاء أبيه، على حسن التعظيم باللقاء، المراد كذا يأتي مثله في التشييع، ومنه ما روي في تشييع الضيف. ويستدل مما روي أن المراد بأمه خالته - كما مر - أن من نسب رجلا إلى خالته فقال: يا ابن فلانة؛ لم يكن قاذفاً لها. ويستدل من رفعهما على العرش - وهو السرير الرفيع - جواز اتخاذه، ورفع الغير، تعظيما للمرفوع. ويستدل من قوله:وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } [يوسف: 100] على أن الانتقال منه نعمة، وذلك لما يلحق أهل البادية من الجفاء، والبعد عن موارد العلوم، وعن رفاهة المدنية، ولطف المعاشرة، والكمالات الإنسانية. وروي لجرير:
أرض الحِراثةِ لو أَتَاهَا جَرْدَلٌ   أعنِي الحطيئَةَ لاغتدى حَرّاثَا
ما جئتهَا من أي وجه جئتهَا   إلا حسبتَ بيوتها أَجْدَاثا
وفي الحديث: " من بدا جفا " أي: من حل البادية. وفي آخر: " أن الجفا والقسوة في الفدادين " ففي هذا دليل على حسن النقلة من البوادي إلى المدن. اهـ بزيادة.

الثاني: قص كثير نبأ استقرار يعقوب وآله بمصر. ومجمله أن يوسف اختار لمستقرهم أرض جاسان. فلما دخلوا مصر أخبر يوسف فرعون بقدوم أبيه وإخوته وجميع مالهم إلى أرض جاسان. ثم أدخل أباه على فرعون، فأكرمه وكلمه حصة، وسأله عن عمره، فأجابه: مائة وثلاثون سنة، وأقطعه وبنيه أجود أرض في مصر، وهي أرض رعمسيس، أي: عين شمس، وملكها إياهم، ودعا له يعقوب ثم انصرف. ثم أخذ يوسف خمسة من إخوته، فمثلهم بين يدي فرعون فقال لهم: ما حرفتكم؟ فأجابوه - كما أوصاهم يوسف -: نحن وآباؤنا رعاة غنم؛ فقال فرعون ليوسف: إن كنت تعلم أن فيهم ذوي حذق، فأقمهم وكلاء على ماشيتي.

السابقالتالي
2