الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } * { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } * { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } * { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ } * { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } * { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ }

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } أي: ألجأ إليه وأستعين به، و (رب الناس) الذي يربيهم بقدرته ومشيئته وتدبيره. وهو رب العالمين كلهم والخالق للجميع { مَلِكِ ٱلنَّاسِ } أي: الذي ينفذ فيهم أمره وحكمه وقضاؤه ومشيئته دون غيره { إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ } أي: معبودهم الحق وملاذهم إذا ضاق بهم الأمر، دون كل شيء سواه. والإله المعبود الذي هو المقصود بالإرادات والأعمال كلها { مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ } أي: الشيطان ذي الوسوسة. وقد زعم الزمخشري ومن تبعه؛ أن الوسواس مصدر أريد به الموسوس أو بتقدير (ذي). وحقق غير واحد أنه صفة كالثرثار، وأن فِعلالا (مصدر فعلل) بالكسر والمفتوح شاذ، وقد بسط الكلام في ذلك الإمام ابن القيّم في (بدائع الفوائد) { ٱلْخَنَّاسِ } أي: الذي عادته أن يخنس - أي يتأخر - إذا ذكر الإنسان ربه، لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة. وكلما تنبه العبد فذكر الله، خنس { ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } أي: بالإلقاء الخفيّ في النفس. إما بصوت خفيّ لا يسمعه إلا من ألقي إليه، وإما بغير صوت.

قال ابن تيمية: و (الوسوسة) من جنس (الوشوشة) بالشين المعجمة. يقال (فلان يوسوس فلانا) و (قد وشوشه) إذا حدثه سراً في أذنه. وكذلك الوسوسة. ومنه وسوسة الحليّ. لكن هو بالسين المهملة، أخص.

وقال الإمام: إنما جعل الوسوسة في الصدور، على ما عهد في كلام العرب من أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، وكثيراً ما يقال: (إن الشك يحوك في صدره) وما الشك إلا في نفسه وعقله. وأفاعيل العقل في المخ، وإن كان يظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب وضيق الصدر أو انبساطه.

وقوله تعالى: { مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان: ضرب من الجِنّة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثراً ينسب إليهم. وضرب من الإنس كالمضللين من أفراد الإنسان، كما قال تعالى:وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [الأنعام: 112]. وإيحاؤهم هو وسوستهم.

قال ابن تيمية: فإن قيل: فإن كان أصل الشر كله من الوسواس الخناس، فلا حاجة إلى ذكر الاستعاذة من وسواس الناس، فإنه تابع لوسواس الجن. قيل: بل الوسوسة نوعان: نوع من الجن، ونوع من نفوس الإنس. كما قال:وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } [ق: 16] فالشر من الجهتين جميعاً. والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين.

وقال أيضاً: الذي يوسوس في صدور الناس نفسه لنفسه، وشياطين الجن وشياطين الإنس. فليس من شرط الموسوس أن يكون مستتراً عن البصر، بل قد يُشَاهَد.

لطائف

الأولى: قال ابن تيمية: إنما خص الناس بالذكر، لأنهم المستعيذون.

السابقالتالي
2 3 4