الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } أي: ألوذ به وألتجئ إليه. والفلق فَعَل بمعنى المفعول. كقَصَص بمعنى مقصوص. قال ابن تيمية: كل ما فلقَه الرب فهو فلق. قال الحسن: الفلق كل ما انفلق عن شيء كالصبح والحَب والنوى. قال الزجاج: وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق. كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر. وقد قال كثير من المفسرين: الفلق: الصبح. فإنه يقال: هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح.

وقال بعضهم: الفلق: الخلق كله. وأما من قال إنه واد في جهنم أو شجرة في جهنم أو أنه اسم من أسماء جهنم، فهذا أمر لا نعرف صحته. لا بدلالة الاسم عليه، ولا بنقلٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا في تخصيص ربوبيته بذلك حكمة. بخلاف ما إذا قال: رب الخلق أو رب كل ما انفلق أو رب النور الذي يظهره على العباد بالنهار. فإن في تخصيصه هذا بالذكر، ما يظهر به عظمة الرب المستعاذ به. انتهى

وقوله تعالى: { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } أي: من شر ما خلقه من الثقلين وغيرهم، كائناً ما كان من ذوات الطبائع والاختيار. وقوله سبحانه: { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال أبو السعود: تخصيص لبعض الشرور بالذكر، مع اندراجه فيما قبله لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة، لكثرة وقوعه. ولأن تعيين المستعاذ منه أدل على الاعتناء بالاستعاذة، وأدعى إلى الإعاذة.

وقال الإمام ابن تيمية: إذا قيل الفلق يعم ويخص، فبعمومه استعيذ من شر ما خلق، وبخصوصه للنور النهاريّ استعيذ من شر غاسق إذا وقب. فإن الغاسق قد فسر بالليل كقوله:أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [الإسراء: 78] وهذا قول أكثر المفسرين وأهل اللغة. قالوا: ومعنى { وَقَبَ } دخل في كل شيء. قال الزجاج: الغاسق: البارد. وقيل لليل غاسق، لأنه أبرد من النهار. وقد روى الترمذي والنسائيّ عن عائشة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: " يا عائشة! تعوذيّ بالله من شره، فإنه الغاسق إذا وقب " وروي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: " الغاسق: النجم " وقال ابن زيد: هو الثريا. وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. وهذا المرفوع قد ظن بعض الناس منافاته لمن فسره بالليل فجعلوه قولاً آخر، ثم فسروا وقوبه بسكونه. قال ابن قتيبة: ويقال الغاسق: القمر إذا كسف واسودّ. ومعنى وقب: دخل في الكسوف. وهذا ضعيف. فإن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارض بقول غيره، وهو لا يقول إلا الحق. وهو لم يأمر عائشة بالاستعاذة منه عند كسوفه بل مع ظهوره. وقد قال الله تعالى:وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً }

السابقالتالي
2 3 4