الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } من الأحد إلى الجمعة { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } أي: ما كان تحته قبل خلق السماوات والأرض، وارتفاعه فوقها، إلا الماء، وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض - كذا في الكشاف.

وقال القاضي: أي: لم يكن بينهما حائل، لا أنه كان موضوعاً على متن الماء.

قال قتادة: ينبئنا تعالى في هذه الآية كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السماوات والأرض.

روى الإمام أحمد عن أبي رزين - واسمه لقيط بن عامر العقَيليّ - قال: " قلت يا رسول الله! أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: " كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق العرش بعد ذلك " ورواه الترمذيّ وحسنه وقال: (قال أحمد: يريد بالعماء أنه ليس معه شيء).

وقال البيهقي في كتاب (الأسماء والصفات): (العماء) ممدود كما رأيته مقيداً كذلك، ومعناه السحاب الرقيق، أي: فوق سحاب، مدبراً له، وعاليا عليه. كما قال تعالى:ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ } [الملك: 16]. يعني: مَنْ فوق السماء. وقوله: (ما فوقه هواء) أي: ما فوق السحاب هواء. وكذلك قوله: (وما تحته هواء) أي: ما تحت السحاب هواء.

وقد قيل: إن ذلك (العمى) مقصور، بمعنى لا شيء ثابت، لأنه مما عمي عن الخلق، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق الخلق، ولم يكن شيء غيره. و (ما) فيهما نافية. أي: ليس فوق العمى، الذي هو لا شيء موجود هواء، ولا تحته هواء؛ لأنه إذا كان غير موجود، فلا يثبت له هواء بوجهٍ. انتهى ملخصاً.

وقال ابن الأثير: العماء في اللغة السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب. وفي الحديث حذف، أي: أين كان عرش ربنا؟ دل عليه قوله تعالى: { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ }. وحكى بعضهم أنه العمى المقصور. قال: وهو كل أمر لا يدركه الفَطِن. وقال أبو عبيد: إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء!. قال الأزهريّ: فنحن نؤمن به ولا نكيّف صفته.

وقوله تعالى: { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أي: أخلصه، متعلق بـ (خلق) أي: خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلهن مساكن لعباده، وينعم عليهم بفنون النعم، فيعبدوه وحده ويتسابقوا في العمل الذي يرضيه. ولما كان الابتلاء والاختبار لمن تخفى عليه عاقبة الأمور، قيل: إنه هنا تمثيل واستعارة، فشبه معاملته تعالى عباده في خلق المنافع لهم، وتكليفهم شكره، وإثابتهم إن شكروا، وعقوبتهم إن كفروا، بمعاملة المختبر مع المختبَر، ليعلم حاله ويجازيه، فاستعير له الابتلاء على سبيل التمثيل، { لِيَبْلُوَكُمْ } موضع (ليعاملكم).

ويصح أن يكون مجازاً مرسلاً، لتلازم العلم والاختبار.

السابقالتالي
2