الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَقَالَ } أي: نوح عليه السلام لمن معه من المؤمنين { ٱرْكَبُواْ فِيهَا } أي: السفينة { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا }. قال الزمخشريّ: يجوز أن يكون كلاماً واحداً، وكلامين. فالكلام الواحد أن يتصل { بِسْمِ ٱللَّهِ } بـ { ٱرْكَبُواْ } حالاً من الواو، بمعنى: اركبوا فيها مسمين الله، أو قائلين بسم الله وقت إجرائها، ووقت إرسائها، إما لأن المجرى والمرسى للوقت، وإما لأنهما مصدران، كالإجراء والإرساء، حذف منهما الوقت المضاف، كقولهم: (خفوق النجم) و (مقدم الحاج) ويجوز أن يراد مكانا الإجراء والإرساء. وانتصابهما، بما في { بِسْمِ ٱللَّهِ } من معنى الفعل، أو بما فيه من إرادة القول.

والكلامان: أن يكون { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } جملة من مبتدأ وخبر مقتضبة، أي: بسم الله إجراؤها وإرساؤها. يروى أنه كان إذا أراد أن تجري قال: بسم الله، فجرت. وإذا أراد أن ترسو قال: بسم الله، فرست. ويجوز أن يقحم الاسم، كقوله: ثم اسم السلام عليكما. ويراد: بالله إجراؤها وإرساؤها، أي: بقدرته وأمره. ومعنى قولنا: (جملة مقتضبة) أن نوحاً عليه السلام أمرهم بالركوب، ثم أخبرهم بأن مجراها ومرساها بذكر اسم الله أو بأمره وقدرته. ويحتمل أن يكون غير مقتضبة، بأن تكون في موضع الحال عن ضمير (الفلك) كأنه قيل: اركبوا فيها مجراة ومرساة بسم الله، بمعنى التقدير، كقوله:فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73] - انتهى.

تنبيهات

الأول: قرأ الإخوان - حمزة والكسائيّ وحفص - { مَجْريٰهَا } بفتح الميم، والباقون بضمها. واتفق السبعة على ضم ميم { مُرْسَاهَا }. وقد قرأ ابن مسعود والثقفي { مُرْسَاهَا } بفتح الميم أيضاً. وقرئ بضم الميم وكسر الراء والسين وياء بعدهما، بلفظ اسم الفاعل. مجروري المحل، صفتين لله.

الثاني: ما وقع بعد الراء من الألفات المنقلبة عن الياء، أو التي للتأنيث، أو للإلحاق، أمَالهُ حمزة والكسائيّ وأبو عمرو، ووافقهم حفص في إمالة { مَجْريٰهَا } هنا، ولم يُمِلْ غيره.

الثالث: أخذ بعضهم من الوجه الأول في { بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا } أعني تقدير قائلين، استحباب التسمية، وذكره تعالى عند ابتداء الجري والإرساء. وهو مؤيد بقوله تعالى في سورة المؤمنون:فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ * وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْمُنزِلِينَ } [المؤمنون: 28-29] وقوله تعالى:وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } الآية [الزخرف: 12-13] - وجاءت السنة بالحث على ذلك، والندب إليه أيضاً.

وقوله تعالى: { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } جملة مستأنفة، بيان للموجب للإنجاء، أي: لولا مغفرته ورحمته لغرقتم وهلكتم مثل قومكم، أو تعليل لـ { ٱرْكَبُواْ } لما فيه من الإشارة إلى النجاة؛ فكأنه قيل: اركبوا لينجيكم الله.