الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }

{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } أي: بإهلاك قومه. و { حَتَّىٰ } غاية لقوله { وَيَصْنَعُ } وما بينهما حال من الضمير فيه، و { سَخِرُواْ مِنْهُ } جواب { كُلَّمَا }. { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } أي: وجه الأرض أو كل مفجر ماء، أو محفل ماء الوادي، أو عين ماء معروفة، أو الكانون الذي يخبز فيه، أو تنوير الفجر - أقوال حكاها اللغويون والمفسرون - زاد بعضهم احتمال أن يكون هذا كناية عن اشتداد الأمر، كما يقال (حمي الوطيس) والوطيس التنور، وهو من فصيح الكلام وبليغه. وعندي أنه أظهر الأوجه المذكورة وأرقها وأبدعها وأبلغها، وإن حاول الرازيّ رده، كأنه قيل: واشتد الأمر، وقوي انهمار الماء ونبوعه. وهذا الإيجاز في مجازه الرهيب، قد بينته آيات أخر، وهي:فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } الآيات [القمر: 11-12] - ومما يؤيده شموله لشدة الأمر من السماء والأرض، فيطابق هذه الآيات. وأما غيره فقاصر على ناحية الأرض فقط. وجليّ أن الأمر كان أعم - والله أعلم.

{ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا } أي: في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ } أي صنفين من البهائم والطيور وما يدب على وجه الأرض { ٱثْنَيْنِ } أي: ذكراً وأنثى.

قال أبو البقاء: يقرأ (كُلِّ) بالإضافة، وفيه وجهان: أحدهما: أن مفعول (احْمِلْ ) (اثْنَيْنِ ) و (مِنْ) حال. والثاني: أن (مِنْ) زائدة، والمفعول (كُلّ) و (اثْنَيْنِ ) توكيد. ويقرأ (مِنْ) { كُلٍّ } بالتنوين، فـ { زَوْجَيْنِ } مفعول { ٱحْمِلْ } ، و { ٱثْنَيْنِ } توكيد له، و { مِن } متعلقة بـ { ٱحْمِلْ } أو حال. انتهى.

{ وَأَهْلَكَ } أي: من يتصل بك في دينك وسيرتك من أقاربك، { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ } أي: وجب عليه { ٱلْقَوْلُ } أي: بالإغراق بسبب ظلمه، { وَمَنْ آمَنَ } أي: احمله معك فيها.

قال أبو السعود: وإفراد الأهل منهم للاستثناء المذكور، وإيثار صيغة الإفراد في { آمَنَ } محافظة على لفظ (مَنْ) للإيذان بقلتهم، كما أعرب عنه قوله، عزذ قائلاً: { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }.