الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } أي: غدوة وعشية { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } أي: وساعات منه، وهي ساعاته القريبة من آخر النهار. من (أزلفه) إذا قربه، وازدلف إليه. وصلاة الغدوة: الفجر. وصلاة العشية: الظهر والعصر، لأن ما بعد الزوال عشيّ، وصلاة الزلف المغرب والعشاء - كذا في الكشاف.

والآية كقوله تعالى:أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } [الإسراء: 78]. في جميعها للصلوات الخمس جمعا بالغا غاية اللطف في بلاغة الإيجاز، وانتصاب { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } على الظرف لإضافته إليه. و { زُلَفاً } قرأها العامة بضم ففتح، جمع زلفة، كظلمة وظلم. وقرئ بضمهما، إما على أنه جمع زلفة أيضاً، ولكن ضمت عينه اتباعاً لفائه، أو على أنه اسم مفرد كعنق.، أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف.

وقرئ بإسكان اللام، إما بالتخفيف، فيكون فيها ما تقدم، أو على أن السكون على أصله، فهو كبسرة وبسر، من غير اتباع.

وقرئ (زلفى) كحبلى، بمعنى قريبة، أو على إبدال الألف من التنوين، إجراء للوصل مجرى الوقف. ونصبه إما على الظرفية، بعطفه على { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } لأن المراد به الساعات، أو على عطفه على { ٱلصَّلاَةَ } ، فهو مفعول به.

والزلفة عند ثعلب، أول ساعات الليل.

قال الأخفش: مطلق ساعات الليل، وأصل معناه القرب. يقال ازدلف أي: اقترب و { مِّنَ ٱلَّيْلِ } صفة زلفا - كذا في العناية.

{ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ } أي: التي من جملتها، بل عمدتها، ما أمرت به من الصلوات { يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } أي: التي قلما يخلو منها البشر، أي: يكفرنها. { ذٰلِكَ } أي: إقامة الصلوات في الأوقات المذكورة، { ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } أي: ذكرى له تعالى، وإحضار للقلب معه، وتصفية من كدورات اللهو والنسيان لعظمته.

وقد روي " عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، وأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت! فقال عمر رضي الله عنه: لقد سترك الله تعالى لو سترت على نفسك. قال: فلم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً. فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه، وتلا عليه هذه الآية { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ... } إلخ.

فقال رجل من القوم: يا رسول الله! هذا له خاصة؟ قال: " بل للناس كافة " أخرجه البخاري وغيره.

وفي رواية عن أبي أمامة قال له صلى الله عليه وسلم: " " أتممت الوضوء وصليت معنا؟ " قال: نعم، قال: " فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك، فلا تَعُدْ " وقرأ الآية.

وفي رواية: فنزلت الآية وبالمراد بالنزول شمولها، بنزولها المتقدم، لما وقع، لا أنها كانت سبباً في النزول - كما بيناه غير مرة.

السابقالتالي
2