الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } أي: غير مقطوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية.

وفي التوقيت بـ (السماوات والأرض) وجهان:

أحدهما: أن يكون عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع، كقول العرب: (ما أقام ثَبير)، و (ما لاح كوكب) و (ما طما البحر) ونحوها، لا تعليق قرارهم في الدارين بدوام هذه السماوات والأرض، فإن النصوص دالة على تأبيد قرارهم، وانقطاع دوامهما.

وثانيهما: أن يراد سماوات الآخرة وأرضها، إذ لا بد لأهلها من مظلّ ومقلّ. قال تعالى:يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } [إبراهيم: 48] وقوله:وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } [الزمر: 74].

فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟

فالجواب: ما قدمناه في قوله تعالى:قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأعراف: 188] من أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.

والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى لا بطبيعتها في نفسها، ولو شاء تعالى أن يغيرها لفعل.

وقد أشار لهذا ابن كثير بقوله: يعني أن دوامهم ليس أمراً واجباً بذاته، بل موكول إلى مشيئته تعالى.

وابن عطية بقوله: هذا على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كل كلام كقوله:لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } [الفتح: 27] فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع.

وللمفسرين هنا وجوه كثيرة، وما ذكرناه أحقها وأبدعها.

ولما قص تعالى قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحله بهم من نقمة، وما أعدَّ لهم من عذابه قال:

{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ... }.