الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } * { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } * { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ }

{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } أي: بثواب الله وعقابه، فلا يطيعه في أمره ونهيه. قال أبو السعود: استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام والتعجيب منه. والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم. أو لكل عاقل. والرؤية بمعنى: العلم. والفاء في قوله تعالى: { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } جواب شرط محذوف، على أن (ذلك) مبتدأ والموصول خبره. والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء أو بالإسلام، أن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه فهو الذي يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً ويزجره زجراً قبيحاً. يقال: دفعت فلاناً عن حقه: دفعت عنه وظلمته { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: لا يحث غيره من ذوي اليسار على إطعام المحتاج وسد خلته. بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثة البؤساء.

قال الشهاب: إن كان الطعام بمعنى الإطعام، كما قاله الراغب، فهو ظاهر. وإلا ففيه مضاف مقدر. أي: بذل طعام المسكين. واختياره على الإطعام للإشعار بأنه كان مالك لما يعطي له كما في قوله:فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [المعارج: 24 - 25] فهو بيان لشدة الاستحقاق. وفيه إشارة للنهي عن الامتنان، قال أبو السعود: وإذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر، فما ظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة؟

قال الزمخشري: جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف. يعني: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشي الله تعالى وعقابه، ولم يقدم على ذلك. فحين أقدم عليه علم أنه مكذب، فما أشده من كلام! وما أخوفه من مقام! وما أبلغه في التحذير من المعصية وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين.

وقوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن جرير: أي: لاهون يتغافلون عنها وذلك باللهو عنها والتشاغل بغيرها. وتضييعها أحياناً وتضييع وقتها أخرى. وقال القاشاني: أي: فويل لهم، أي: للموصوفين بهذه الصفات، من دعّ اليتيم وعدم الحث على طعام المسكين. الذين إن صلَّوْا غفلوا عن صلاتهم لاحتجابهم عن حقيقتها بجهلهم وعدم حضورهم. و (المصلين) من باب وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بأن أشرف أفعالهم وصور حسناتهم سيئات وذنوب؛ لعدم ما هي به معتبرة من الحضور والإخلاص، وأورد على صيغة الجمع لأن المراد بالذي يكذب هو الجنس { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أي: يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب، ولا رهبة من عقاب. وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم. وأصل المراءاة أن ترى غيرك ويراك. أريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم. أوضحه الشهاب.

{ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي: ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به، لكون الجهل حاكما عليهم بالاستئثار بالمنافع وحرمانهم عن النظر التوحيديّ وعدم اعتقادهم بالجزاء.

السابقالتالي
2