الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } يعني: الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة، ورئيسهم أبرهة الحبشيّ الأشرم. كما سيأتي.

قال أبو السعود: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم. والهمزة لتقرير رؤيته عليه الصلاة والسلام بإنكار عدمها. والرؤية علمية. أي: ألم تعلم علما رصينا متاخما للمشاهدة والعيان، باستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. وتعليق الرؤية بكيفية فعله عز وجل لا بنفسه، بأن يقال: ألم تر ما فعل ربك إلخ - لتهويل الحادثة والإيذان بوقوعها على كيفية هائلة وهيئة عجيبة دالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته وعزة بيته وشرف رسوله عليه الصلاة والسلام.

فإن ذلك من الإرهاصات. لما روي أن القصة وقعت في السنة التي ولد فيها النبيّ عليه الصلاة والسلام، كما سنأثره. وقوله تعالى: { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } بيان إجماليّ لما فعل بهم. أي: ألم يجعل مكرهم وسعيهم لتخريب الكعبة في تضييع وإبطال لما حاولوا، وتدميرهم أشد تدمير.

قال الرازي: اعلم أن الكيد: هو إرادة مضرة بالغير على الخفية إن قيل: لم سماه كيداً وأمره كان ظاهراً، فإنه كان يصرح أنه يهدم البيت؟ قلنا: نعم لكن الذي كان في قلبه شر مما أظهر. لأنه كان يضمر الحسد للعرب، وكان يريد صرف الشرف الحاصل لهم بسبب الكعبة منهم ومن بلدهم، إلى نفسه وإلى بلدته { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } أي: طوائف متفرقة، يتبع بعضها بعضاً من نواح شتى. و { أَبَابِيلَ } جمع لا واحد له، على ما حكاه أبو عبيدة والفراء. وزعم أبو جعفر الرؤاسي - وكان ثقة - أنه سمع واحدها إبّالة بكسر الهمزة وتشديد الموحدة. وهي حزمة الحطب. استعير لجماعة الطير. وحكى الكسائيّ عن بعض النحويين في مفردها (أبول) وعن آخرين (أبيل) سماعاً كما أثره ابن جرير. والتنكير في (طيرا) إما للتحقير، فإنه مهما كان أحقر كان صنع الله أعجب وأكبر. أو للتفخيم، كأنه يقول: وأي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطيء المقتل. أفاده الرازيّ.

{ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } أي: من طين متحجر. وروى ابن وهب عن ابن زيد أن المعني بالسجيل: السماء الدنيا لأن اسمها سجيل.

قال ابن جرير: وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل ولا لغة. وأسماء الأشياء لا تدرك إلا من لغة سائرة أو خبر من الله تعالى ذكره { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } قال ابن جرير: كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرقت أجزاؤه. شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث الذي حدث عن أكل الزرع.

قال الشهاب: ولم يذكر الروث لهجنته.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7