الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ }

{ ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ } قال أبو السعود القرع: هو الضرب بشدة واعتماد، بحيث يحصل منه صوت شديد، وهي القيامة. سميت بها لأنها تفزع القلوب والأسماع بفنون الأفزاع والأهوال. وتخرج جميع الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال: السماء بالانشقاق والانفطار، والشمس والنجوم بالتكوير والانكدار والانتثار، والأرض بالزلزال والتبديل والجبال بالدك والنسف. وهي مبتدأ خبره قوله تعالى: { مَا ٱلْقَارِعَةُ } على أن { مَا } الاستفهامية خبر والقارعة مبتدأ، لا بالعكس؛ لأن محط الفائدة هو الخبر لا المبتدأ. ولا ريب في أن مدار إفادة الهول والفخامة ههنا، هو كلمة { مَا } لا { ٱلْقَارِعَةُ } أي: أيُّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة؟ وقد وضع الظاهر موضع الضمير تأكيداً للتهويل وقوله تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } تأكيد لهولها وفظاعتها، ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق على معنى أن عظم شأنها ومدى شدتها، بحيث لا تكاد تناله دراية أحد، حتى يدريك بها. أي: وأي شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ولما كان هذا منبئاً عن الوعد الكريم بإعلامها، أنجز ذلك قوله تعالى: { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } أي: هي يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة والاضطراب، والتطاير إلى الداعي، كتطاير الفراش إلى النار. فـ { يَوْمَ } خبر محذوف بني على الفتح، لإضافته إلى الفعل، أو هو منصوب. بإضمار (اذكر). كأنه قيل، بعد تفخيم أمر القارعة وتشويقه عليه الصلاة والسلام إلى معرفتها: اذكر يوم يكون الناس { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } أي: كالصوف المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو. ولما كان من المعلوم أن ذلك اليوم هو اليوم الذي تبتدئ فيه الحياة الآخرة، وفيها تعرف مقادير الأعمال وما تستحقه من الجزاء، رتب عليه قوله تعالى: { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ... }.