{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أضيف المكان إلى الصدق، لأن عادة العرب، إذا مدحت شيئاً، أن تضيفه إلى الصدق تقول: رجل صدق، وقدم صدق. وقال تعالى:{ مُدْخَلَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] و{ مُخْرَجَ صِدْقٍ } [الإسراء: 80] إذا كان عاملاً في صفة، صالحا للغرض المطلوب منه، كأنهم لاحظوا أن كل ما يظن به فهو صادق. وقوله تعالى: { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } وهي المن والسلوى في التيه وبعده، مما فاض عليهم من الأرض التي تدر لبنا وعسلا { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي: ما تفرقوا على مذاهب شتى في أمر دينهم، إلا من بعد ما جاءهم العلم الحاسم لكل شبهة، وهو ما بين أيديهم من الوحي، الذي يتلونه. أي: وما كان حقهم أن يختلفوا، وقد بين الله لهم، وأزاح عنهم اللبس. ونظير هذه الآية، في النعي عليهم اختلافهم، قوله تعالى:{ وَمَا تَفَرَّقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ } [البينة: 4]. وقوله جل ذكره:{ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [آل عمران: 19]. وفيه أكبر زاجر، وأعظم واعظ عن الاختلاف في الدين، والتفرق فيه. { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي: فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك.