الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } أي: نخرجك من البحر بجسدك الذي لا روح فيه، فرآه بنو إسرائيل ملقى على شاطئ البحر ميتاً. وفي التعبير عن إخراجه من القعر إلى الشاطئ (بالتنجية) التي هي الخلاص من المكروه، تهكم واستهزاء. { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ } من الأمم الكافرة { آيَةً } أي: عبرة من الطغيان والتمرد على أوامره تعالى. { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } أي: لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.

تنبيه

قال الشهاب الخفاجي في (العناية): لا يقبل إيمان المرء حال اليأس والاحتضار، كما يدل عليه صريح الآية:فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85] وأما ما وقع في (الفصوص) من صحة إيمانه، وأن قوله:آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [يونس: 90] إيمان بموسى عليه السلام - فمخالف للنص والإجماع، وإن ذهب إلى ظاهره الجلال الدواني رحمه الله. وله رسالة فيه طالعتها، وكنت أتعجب منها حتى رأيت في (تاريخ حلب) للفاضل الحلبي أنها ليست له، وإنما هي لرجل يسمى محمد بن هلال النحوي. وقد ردها القزويني، وشنع عليه وقال: إنما مثاله مثال رجل خامل الذكر، لما قدم مكة بال في زمزم ليشتهر بين الناس، كما في المثل: (خالف تعرف) وفي (فتاوى ابن حجر رحمه الله) أن بعض فقهائنا كفَّر من ذهب إلى إيمان فرعون ولذا قيل: إن المراد بفرعون (في كلامه) النفس الأمارة، وهذا كله مما لا حاجة إليه - انتهى كلام الشهاب.

أقول: ذكر شيخنا العطار رحمه الله في كتابه (الفتح المبين في رد اعتراض المعترض على محيي الدين) خاتمة في بطلان ما نسب إلى هذا العارف من القول بصحة إيمان فرعون ونجاته، قال رحمه الله:

ليعلم أنه شاع فيما بين أهل العلم بأن حضرة محيي الدين رضي الله عنه قال بإيمان فرعون ونجاته. والحال أنه ليس كذلك، كما ستطلع عليه من النقل عنه. نعم، بحث في صحة القول بإيمان فرعون، ونجاته وعدمها، من حيث الأخذ من الآيات القرآنية، فكان ذلك منه مجرد بحث في الدليل لا غير، وما كان هذا قولا بإيمانه قطعياً. وقد بنى مسألة نجاة فرعون وإيمانه على أصلين من أصوله، وافقه عليهما جم غفير من العلماء الأعلام.

الأصل الأول: في بيان حقيقة إيمان اليأس، فإيمان اليأس عنده، وعند جم غفير من العلماء هو ما كان عند مشاهدة العذاب البرزخي، كحال المحتضر لا غير، ففي هذه الحالة لا ينفع الإيمان، وهذا متفق عليه بين أهل العلم، وذهب قوم إلى أن إيمان اليأس ما كان عند رؤية العذاب دنيوياً أو أخروياً. فالإيمان في أي حالة من الحالتين لا ينفع. وعند هذا العارف وجماعة: أن رؤية العذاب الدنيوي لا تمنع صحة الإيمان، وإن أوجبت الهلاك في الدنيا، فإن سنة الله قاضية بأن يتحتم وقوع الهلاك الدنيوي لمن رأى هذا العذاب، وإن آمن ونجا من عذاب الآخرة، إلا قوم يونس، فإنه تعالى نجاهم منه، كما ذكره تعالى.

السابقالتالي
2 3