الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي: فلا يتوقعون الجزاء { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ } أي: لا يتفكرون فيها { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } أي: بسببه، إلى مأواهم، وهي الجنة، وإنما لم تذكر تعويلا على ظهورها، وانسياق النفس إليها، لا سيما بملاحظة ما سبق من بيان مأوى الفكرة { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } أي: من تحت منازلهم أو بين أيديهم.

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } أي: دعاؤهم هذا الكلام؛ لأن (اللهم) نداء، ومعناه: اللهم إنما نسبحك، كقول القانت: اللهم إياك نعبد. يقال: دعا يدعو دعاء ودعوى، كما يقال: شكا يشكو شكاية وشكوى. ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة، ونظيره آية:وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [مريم: 48] { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي: ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحية الملائكة إياهم، كما في قوله تعالى:وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الرعد: 23-24] أو تحية الله عز وجل لهم، كما في قوله تعالى:سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [يس: 58]. و (التحية) التكرمة بالحالة الجليلة. أصلها: أحياك الله حياة طيبة. و (السلام) بمعنى السلامة عن كل مكروه. { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } أي: وخاتمة دعائهم هو التسبيح { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي: حمده تعالى. والمراد من الآية أن دعاء أهل الجنة وعبادتهم هو قولهم: سبحانك اللهم وبحمدك. وإيثار التعبير عن (وبحمدك)، بقوله: { وَآخِرُ } إلخ رعاية للفواصل، واهتماماً بالحمد وما معه من النعوت الجليلة، تذكيراً بمسماها. والآية تدل على سمو هذا الذكر؛ لأنه دعاء أهل الجنة وذكر الملائكة، كما قالوا:وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } [البقرة: 30]. ولذلك ندب قراءته بعد تكبيرة الإحرام.

قال الرازي: لما استسعد أهل الجنة بذكر (سبحانك اللهم وبحمدك)، وعاينوا ما فيه من السلامة عن الآفات والمخافات، علموا أن كل هذه الأحوال السنية، والمقامات القدسية، إنما تيسرت بإحسان الحق سبحانه وإفضاله وإنعامه، فلا جرم اشتغلوا بالحمد والثناء.

ولما بين تعالى وعيده الشديد، أتبعه بما دل على أن من حقه أن يتأخر عن هذه الحياة الدنيوية، لأن حصوله في الدنيا كالمانع من بقاء التكليف، فقال تعالى:

{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ... }.