الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ } جمع ولي. وهو في الأصل ضد العدو، بمعنى المحب. وجاز كونه هنا بمعنى الفاعل، أي: الذين يتولونه بالطاعة، كقوله تعالى:وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [المائدة: 56] وبمعنى المفعول أي: الذي يتولاهم بالإكرام كقوله تعالى:ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [البقرة: 257] وقوله:إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة: 55] وكلا المعنيين متلازمان: { لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من لحوق مكروه، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } أي: من الفزع الأكبر، كما في قوله تعالى:لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 103]. { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي: بكل ما جاء من عند الله تعالى { وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } أي: يخافون ربهم، فيفعلون أوامره، ويتجنبون مناهيه، من الشرك والكفر والفواحش. ومحل الموصول الرفع على أنه خبر لمحذوف، كأنه قيل: من أولئك وما سبب فوزهم بذاك الإكرام؟ فقيل: هم الذين جمعوا بين الإيمان والتقوى المفضيين إلى كل خير، المنجيين عن كل شر. أو النصب بمحذوف.

وقوله تعالى: { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ } { ٱلْبُشْرَىٰ } مصدر إما باق على مصدريته، والمبشر به محذوف، أي: لهم البشارة فيهما بالجنة، وإنما حذف للعلم به من آيات أخر كقوله تعالى:ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } [التوبة: 20-21] وقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30] وإما مراد به المبشر به، وتعريفه للعهد. كقوله سبحانهيَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [الحديد: 12].

وقوله تعالى: { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } أي: لمواعيده { ذٰلِكَ } أي: بشراكم، وهي الجنة، { هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي: المنال الجليل، الذي لا مطلب وراءه، كيف وقد فازوا بالجنة وما فيها، ونجوا من النار وما فيها؟.

تنبيه

هذه الآية الكريمة أصل في بيان أولياء الله، وقد بين تعالى في كتابه، ورسوله في سنته، أن لله أولياء من الناس، كما أن للشيطان أولياء.

وللإمام تقي الدين ابن تيمية، عليه الرحمة، كتاب في ذلك سماه (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) نقتبس منه جملة يهم الوقوف عليها، لكثرة ما يدور على الألسنة من ذكر الولي والأولياء. قال رحمه الله:

إذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما. فأولياء الله هم المؤمنون المتقون، كما في هذه الآية، وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8