الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

{ هُنَالِكَ } أي: في ذلك المقام المدهش، حين قطع المواصلة، وإنكار الشركاء العبادة { تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } أي: تختبر وتذوق كل نفس ما أسلفت من العمل، فتعاين أثره من قبح وحسن، ورد وقبول، كما يختبر الرجل الشيء ويتعرفه، ليكتنه حاله، وهذا كقوله تعالى:يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13] وقولهيَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9].

{ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ } الضمير للذين أشركوا، أي ردوا إلى الله المتولي جزاءهم بالعدل والقسط { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي: ضاع عنهم ما افتروه من اختراعاتهم، وأصول دينهم ومذهبهم، وتوهماتهم الكاذبة، وأمانيهم الباطلة. أي: ظهر ضياعه وضلاله، ولم يبق له أثر فيهم.

وفي هذه الآية تبكيت شديد للمشركين الذين عبدوا ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يغني عنهم شيئاً، ولم يأمرهم بذلك، ولا رضي به، ولا أراده، بل تبرأ منهم، أحوج ما يكونون إلى المعونة. والمشركون أنواع وأقسام، وقد ذكرهم تعالى في كتابه، وبين أحوالهم، ورد عليهم أتم رد.

ثم احتج على المشركين على وحدانيته باعترافهم بربوبيته وحده بقوله سبحانه وتعالى:

{ قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... }.