الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

أي: بطاعتك وعبادتك، وهم المذكورون في قوله تعالى:وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ } [النساء: 69].

{ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } قال الأصفهاني: وإنما ذكر تعالى هذه الجملة لأن الكفار قد شاركوا المؤمنين في إنعام كثير عليهم، فبين بالوصف أن المراد بالدعاء ليس هو النعم العامة، بل ذلك نعمة خاصة. ثم إن المراد بالمغضوب عليهم والضالين: كلّ من حاد عن جادة الإسلام من أيّ فرقة ونحلة. وتعيين بعض المفسرين فرقة منهم من باب تمثيل العام بأوضح أفراده وأشهرها، وهذا هو المراد بقول ابن أبي حاتم: لا أعلم بين المفسرين اختلافاً في أن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى.

فوائد

الأولى: يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها: " آمين " ومعناه: اللهم استجب، أو كذلك فليكن، أو كذلك فافعل، وليس من القرآن؛ بدليل أنه لم يثبت في المصاحف. والدليل على استحباب التأمين ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي عن وائل بن حُجر قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } فقال: " آمين " مدّ بها صوته " ولأبي داود: رفع بها صوته. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي الباب عن عليّ وأبي هريرة، وروي عن عليّ وابن مسعود وغيرهم.

وعن أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }. قال: " آمين " حتى يسمع من يليه من الصف الأول " رواه أبو داود.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله له ما تقدم من ذنبه ".

وفي صحيح مسلم عن أبي موسى مرفوعاً: " إذا قال - يعني الإمام - ولا الضالين فقولوا: آمين، يجبكم الله ".

الثانية: في ذكر ما اشتملت عليه هذه السورة من العلوم:

اعلم أن هذه السورة الكريمة قد اشتملت - وهي سبع آيات - على حمد الله تعالى، وتمجيده، والثناء عليه: بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله والتضرُّع إليه والتبرؤ من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له، وتوحيده بالألوهية، تبارك وتعالى، وتنزيهه أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم - وهو الدين القويم - وتثبيتهم عليه حتى يُفضِيَ بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين.

واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة، وهم المغضوب عليهم والضالون.

السابقالتالي
2 3 4 5