الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير عبد الرزاق الصنعاني مصور /همام الصنعاني (ت 211 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

1527- حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: حدثني أبو هَارون العبدي عن أبي سعيد الخدري، في قوله تعالى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا }: [الآية: 1]، قال: " حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلةِ أُسْرِيَ به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُتيتُ بِدابَةٍ هي أشبه الدوابِ بالبغل له أُذُنان مضطربتان وَهُوَ الْبُراقُ، وهو الذي كانت تركبه الأنبياء قبْلي فركبته، فانطلق يضع يَده عند منتهى بصرِه، فَسَمِعْتُ نِدَاءً عَنْ يميني: يا محمد على رسْلِكَ أسأَلك، فمضيت ولم أُعَرِّج عليه، ثم سمعت نداء عن شمالي، يا محمد على رسلك أسألك فمضيت ولم أُعرِّج عَلَيْهِ، ثم استقبلتني امرأةٌ عَلْيها من كل زينة الدنيا، رافعةً يدَها، تقول: عَلَى رسلك أسألك فمضيت لم أعرِّج عليها.

ثم أتيت بيت المقدس، أو قال: المسجد الأقصى فنزلتُ عن الدابة، فأوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثِق بها، ثم دَخلت المسجد فصليتُ فيه، فقال لي جبريل: ما رأيتَ في وَجْهِكَ؟ فقلت: سمعت نداءً عن يميني: أنْ يا محمد، على رسلك أسألك، فمضيت، ولم أعرِّج عليه. قال: ذاك داعي اليهود، إما إنك لو وقفت عليه تَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ قلت: ثم سمعت نداءً عن يساري، أَنْ يا محمد على رسلك، فمضيت ولم أُعرِّج عليه، قال ذاك داعي النَّصارى، أَمَا إنك لو وقفت عليه، لتَنَصَّرَتْ أُمّتُك، ثم استقبلتني امرأةٌ عَلَيْها مِنْ كُلِّ زينةِ الدنيا رافعةً يديها تقول: عَلَى رسلك يا محمد أسألُك، فمضيت ولَمْ أُعرّج عَلَيْهَا. قال: تلك الدنيا تزينت لك، أما إنك لو وَقَفْتَ عليها اختارت أُمَّتُكَ الدُّنْيا علَى الآخرة، ثم أُتِيتُ بإناءَين أحدهما فيه لبن، والآخر فيه خمر، فقيل لي: اشرب أيَّهُما شئت. فأخذتُ اللبنَ فشربتُه، فقال: أصبتَ الفطرةَ أو أخذت الفطرةَ. قال: معمر، وأخبرني الزهري عن ابن المسيّب أنه قيل له: أما إنك لو أخذت الخمر غَوَتْ أمّتُك. ثم قال أبو هارون عن أبي سعيد الخدري في حديثه قال النبي صلى الله عليه وسلم: ثم جيء بالمعراج الذي كانت تعرج فيه أرواح بني آدم، فإذا أحسنُ ما رأيتُ ألم تروا إلى الميت كيف يخرُج ببصره إليه. فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيلَ: ومن مَعَه؟ قال: محمد، قال: أوَقد أُرسِلَ إلَيْهِ؟ قال: نعم. ففتحوا لي، وَسَلَّمُوا عَلَيَّ، وإذا مَلَكٌ مُوكَلٌ يحرس السماءَ يقال له إسماعيل، معه سبعون ألف مَلَك، مع كل مَلَكٍ منهم مائة ألف، ثمر قرأ { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ }: [المدثر: 31] وإذا أنا برجل كهيئته يَوْمَ خلقه الله لم يتغير منه شيء وإذا هُوَ تُعْرَضُ علَيْه أرواح ذريته، فإذا كان روح مؤمن قال: روح طيب وريح طيبة، اجعلوا كتابه في عليين، فإذا كان رُوحُ كافرٍ قال: رُوحٌ خبيث ورِيحٌ خبيثةٌ اجعلوا كتابه في سجين، قلت لجبريل: من هذا؟ قال: أبوك آدم، فسلَّم علَيَّ ورَحَّب بي، وقال: مرحباً بِابْنَيْ الصالح، ثم نَظرت، فإذا أنا بقومٍ لهُمْ مشافِرُ كمشافِرِ الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافِرِهم، ثم جعل في أفواهِهِم [صخر] من نارٍ، يَخْرُج من أسافلهم، قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أمْوَال اليتامى ظُلماً إنَّما يأكلونَ في بطونهم ناراً، قال: ثم نظرت، فإذا أنا بقَوْمٍ يحذى من جلودهم، وَيُدَسُّ في أفواههم، ويقال لهُمْ: كلوا كما أكَلْتُم فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلِك، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الهمازون اللّمازون الذين يأكلون لحوم النَّاس، ثم نظرت فإذا أنا بقَوْمٍ على مائدةٍ عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم، وإذا حولهم جِيفٌ مُنْتِنَةٌ، فجعلوا يمليون على الجيف يأكلون منها، ويَدَعُون ذلك اللحمَ، فقلت: يا جبريل، منْ هؤلاء؟ قال هؤلاء الزُّنَاة عَمَدُوا إلى ما حرَّمَ اللهُ عَلْيهم، وتكروا ما أحَلَّ اللهُ لهُمْ، ثم نظرت فإذا أنا بقَوْمٍ لهم بُطونٌ كأنها البيوت، وهم عَلى سابِلَة آل فرعون فإذا مَرَّ بهِمْ آل فرعون، فيميل بأحدهم بطنه فيقع، فيتوطأهم آلُ فرعون بأرجلهم، وهم يُعْرَضُونَ عَلَى النَّارِ غُدوّاً وعَشِياً، قلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أَكَلةُ الرِّبَا، رَبا في بطونهم، فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطانُ مِنَ الْمَسِّ.

ثم نَظرتُ فإذا أنا بِنِساءٍ مُعلّقاتٍ بثديهنّ، ونساء منكساتٍ بأرجُلِهِنَّ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هن اللاتي يَزْنينَ، ويَقْتُلْنَ أولادهُنَ، ثم صعدنا إلى السَّماء الثانية، فإذا أنا بيوسف وحوله تَبَعٌ كثير من أمته، ووجهه مثل القمر ليلة البدر، فسَلَّم عليَّ ورحب بي، ثم مضينا إلى السَّماءِ الثالثة، فإذا أنا بأبْنَيْ الخالة: يحيى وعيسى، شَبهان أحدهما بصاحبه ثيابهما وشَعْرهما، فَسَلَّما عَلَيَّ وَرَحَّبا بي، ثم مضينا إلى السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس، فَسَلَّم عَلَيَّ ورَحَّبَ بِي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد قال الله تعالى: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }: [مريم: 57] ثم مضينا إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون المحبب في قومه، وحوله تَبَعٌ كثيرٌ من أُمَّتِهِ، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم: طويل اللحية، تكاد لحيته تمسّ سُرَّته، فسلّم عليَّ ورحب بي، ثم مضينا إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رجل كثير الشعر، لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما، فقال موسى: يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله، وهذا أكرمُ على الله مني، ولو كان وحده لم أبال، ولكن كل نبي ومَن تبعه من أُمَّتِهِ، ثم مضينا إلى السماء السَّابعة، فإذا أنا بإبراهيم وهو جَالِسٌ مُسْنِدٌ ظَهْرَه إلى البيتِ المعمور فَسَلَّم عَلَيَّ، وقال: مرحباً بِابْني الصالح، وقال: إن هذا مكانك ومكان أمتك، ثم تلا: { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ }: [آل عمران: 68] قال ثم دخلت البيتَ المعمورَ، فصَلَّيْتُ فيه، فإذا هُوَ يدخله كل يوم سعبون أَلْفَ مَلَك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، ثم نظرت فإذا أنا بشجرةٍ إن كانت الورقة منها لمغطية هذه الأمة، وإذا في أَصْلِها عَيْنٌ تجري، فانشعبت شعبتين، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أَمَا هذا فهو نَهْرُ الرَّحْمَةِ، وأما هذا فهو الكوثر الذي أَعْطَاكَهُ الله، فاغْتَسَلْتُ في نهرِ الرحمةِ، فعُفِرَ لي ما تَقَدَّم من ذَنْبي وما تَأَخَّر، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنَّةَ، فإذا فيها ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سمِعَت، ولا خَطَرَ على قلب بشر، وإذا فيها رُمَّانٌ كأنها جلود الإبل المقتبة، وإذا فيها طير كأنَّها البُخْتُ، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن تلك الطير لناعمة قال: أَكْلُها أَنْعَمَ مِنْها يا أبا بكر، إني لأرجو أن تأْكُلَ منها، قال: ورأيت جارية، فسألتها لِمَنْ أنْتِ؟ فقالت: لزيد بن حارثة، فَبَشَّرَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً، ثم إن الله تبارك وتعالى أمرني بأمره، وفرض عَلَيَّ خسمين صلاة، فمَرَرْتُ على موسى فقال: بِمَ أَمَرَكَ رَبُّكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خسمين صلاَة؛ قال: ارجع إلى ربك، فَسَلْه التخفيف فإنَّ أمتك لا يقومون لهذا، فرجعت إلى ربّي فسألته فوضع عني عشراً، ثم رجعت إلى مُوسَى، فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى، حتى فَرَضَ عليَّ خمْسَ صلوات، فقال لي موسى: ارجع إلى ربك فسَله التخفيف، فقلت: لقد رجعت حتى استحييت، أو قال: قلت ما أنا براجع، قال: فقيل لي: إن لك بهذه الخَمْس صلوات خمسين صلاة، الحسنة بعشر أمثالها، ومَنْ هَمَّ بحسنة ثُمَّ لم يعملها كُتِبَتْ حسنةٌ، ومن عملها كُتبت عَشْراً، وَمَنْ هَمَّ بسَيئةٍ ولم يعملها لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كُتِبَت واحدة ".


السابقالتالي
2 3