الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ }

يقول تعالى { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ } أي: في قضائه وقدره { ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } وهي هذه الشهور المعروفة { فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي: في حكمه القدري، { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر [شهرا]. { مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرماً لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها. { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهراً، وأن اللّه تعالى بيّن أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصاً مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها. ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه عملاً بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها. ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً } أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين. ولا تخصوا أحداً منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئاً. ويحتمل أن { كَآفَّةً } حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين. وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله:وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } الآية [التوبة: 122]. { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصاً عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.