الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

يقول تعالى: { وَآخَرُونَ } ممن بالمدينة ومن حولها، بل ومن سائر البلاد الإسلامية، { ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } أي: أقروا بها، وندموا عليها، وسعوا في التوبة منها، والتطهر من أدرانها. { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } ولا يكون العمل صالحاً إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان، المخرج عن الكفر والشرك، الذي هو شرط لكل عمل صالح، فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة، بالأعمال السيئة، من التجرؤ على بعض المحرمات، والتقصير في بعض الواجبات، مع الاعتراف بذلك والرجاء بأن يغفر اللّه لهم، فهؤلاء { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } وتوبته على عبده نوعان: الأول: التوفيق للتوبة. والثاني: قبولها بعد وقوعها منهم. { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي: وصفه المغفرة والرحمة، اللتان لا يخلو مخلوق منهما، بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما، فلو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة.إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [فاطر: 41]. ومن مغفرته أن المسرفين على أنفسهم الذين قطعوا أعمارهم بالأعمال السيئة، إذا تابوا إليه وأنابوا ولو قبيل موتهم بأقل القليل، فإنه يعفو عنهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، فهذه الآية دلت على أن المخلط المعترف النادم، الذي لم يتب توبة نصوحاً، أنه تحت الخوف والرجاء، وهو إلى السلامة أقرب. وأما المخلط الذي لم يعترف ويندم على ما مضى منه، بل لا يزال مصراً على الذنوب، فإنه يخاف عليه أشد الخوف. قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه، آمراً له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وهي الزكاة المفروضة، { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة. { وَتُزَكِّيهِمْ } أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم. { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي: ادع لهم، أي: للمؤمنين عموماً، وخصوصاً عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم. { إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } أي: طمأنينة لقلوبهم، واستبشار لهم، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } لدعائك، سمع إجابة وقبول. { عَلِيمٌ } بأحوال العباد ونياتهم، فيجازي كل عامل بعمله، وعلى قدر نيته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لأمر اللّه، ويأمرهم بالصدقة، ويبعث عماله لجبايتها، فإذا أتاه أحدٌ بصدقته دعا له وبرَّك. ففي هذه الآية دلالة على وجوب الزكاة في جميع الأموال، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة. وما عدا أموال التجارة، فإن كان المال ينمى، كالحبوب، والثمار، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل، فإنها تجب فيها الزكاة، وإلا لم تجب فيها، لأنها إذا كانت للقنية، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة مالاً يتمول، ويطلب منه المقاصد المالية، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها.

السابقالتالي
2