الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } * { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

أي: { كَيْفَ } يكون للمشرّكين عند اللّه عهد وميثاق { وَ } الحال أنهم { إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } أي: لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون اللّه فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا. ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ } الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقاً، المبغضون لكم صدقاً، { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } لا ديانة لهم ولا مروءة. { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً } أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا على الإيمان باللّه ورسوله، والانقياد لآيات اللّه. { فَصَدُّواْ } بأنفسهم، وصدوا غيرهم { عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } أي لأجل عداوتهم للإيمان وأهله. فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم، هو الإيمان، فذبوا عن دينكم، وانصروه واتخذوا من عاداه لكم عدواً ومن نصره لكم ولياً، واجعلوا الحكم يدور معه وجوداً وعدماً لا تجعلوا الولاية والعداوة طبيعية تميلون بهما، حيثما مال الهوى، وتتبعون فيهما النفس الأمارة بالسوء، ولهذا: { فَإِن تَابُواْ } عن شركهم، ورجعوا إلى الإيمان { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين، لتكونوا عباد اللّه المخلصين، وبهذا يكون العبد عبداً حقيقة. لما بين من أحكامه العظيمة ما بين، ووضح منها ما وضح، أحكاماً وحِكَماً وحُكْماً وحكمة قال: { وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ } أي: نوضحها ونميزها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } فإليهم سياق الكلام، وبهم تعرف الآيات والأحكام، وبهم عرف دين الإسلام وشرائع الدين. اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون، ويعملون بما يعلمون، برحمتك وجودك وكرمك [وإحسانك يا رب العالمين].