الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

{ كَلاَّ } أي: ليس [كل] ما أحببتم من الأموال، وتنافستم فيه من اللذات، بباقٍ لكم، بل أمامكم يوم عظيم، وهول جسيم، تدك فيه الأرض والجبال وما عليها حتى تجعل قاعاً صفصفاً لا عوج فيه ولا أمت. ويجيء الله تعالى لفصل القضاء بين عباده في ظلل من الغمام، وتجيء الملائكة الكرام، أهل السماوات كلهم، صفاً صفاً أي: صفاً بعد صف، كل سماء يجيء ملائكتها صفاً، يحيطون بمن دونهم من الخلق، وهذه الصفوف صفوف خضوع وذل للملك الجبار، { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تقودها الملائكة بالسلاسل. فإذا وقعت هذه الأمور فـ { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } ما قدمه من خير وشر. { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } فقد فات أوانها، وذهب زمانها، يقول متحسراً على ما فرط في جنب الله: { يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } الدائمة الباقية، عملاً صالحاً، كما قال تعالى:يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً * يَٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } [الفرقان: 27-28]. وفي الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها وكمالها، وفي تتميم لذّاتها، هي الحياة في دار القرار، فإنها دار الخلد والبقاء، { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } لمن أهمل ذلك اليوم ونسي العمل له، { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } فإنهم يقرنون بسلاسل من نار، ويسحبون على وجوههم في الحميم، ثم في النار يسجرون، فهذا جزاء المجرمين، وأما من اطمأن إلى الله وآمن به وصدق رسله، فيقال له: { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } إلى ذكر الله، الساكنة [إلى] حبه، التي قرت عينها بالله. { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } الذي رباك بنعمته، وأسدى عليك من إحسانه ما صرت به من أوليائه وأحبابه { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } أي: راضية عن الله، وعن ما أكرمها به من الثواب، والله قد رضي عنها. { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي * وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } وهذا تخاطب به الروح يوم القيامة، وتخاطب به حال الموت [والحمد لله رب العالمين].