الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } * { وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً }

يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان من حيث هو، وأنه جاهل ظالم، لا علم له بالعواقب، يظن الحالة التي تقع فيه تستمر ولا تزول، ويظن أن إكرام الله في الدنيا وإنعامه عليه يدل على كرامته عنده وقربه منه، وأنه إذا { قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ } أي: ضيّقه، فصار يقدر قوته لا يفضل منه، أن هذا إهانة من الله له، فرد الله عليه هذا الحسبان: بقوله { كَلاَّ } أي: ليس كل من نَعَّمْتُه في الدنيا فهو كريم عليّ، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لديّ، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاءً من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل. وأيضاً، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } الذي فقد أباه وكاسبه، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه. فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم، وعدم الرغبة في الخير. { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي: لا يحض بعضكم بعضاً على إطعام المحاويج من المساكين والفقراء، وذلك لأجل الشح على الدنيا ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب، ولهذا قال: { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } أي: المال المخلف { أَكْلاً لَّمّاً } أي: ذريعاً، لا تبقون على شيء منه. { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } أي: كثيراً شديداً، وهذا كقوله تعالى:بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا * وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [الأعلى: 16-17]كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [القيامة: 20-21].