الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } * { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } * { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } * { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } * { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } * { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } * { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } * { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } * { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } * { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } * { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } * { وَأَكِيدُ كَيْداً } * { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }

يقول [الله] تعالى: { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ }. ثم فسر الطارق بقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي: المضيء، الذي يثقب نوره، فيخرق السماوات [فينفذ حتى يرى في الأرض]، والصحيح أنه اسم جنس يشمل سائر النجوم الثواقب. وقد قيل: إنه " زحل " الذي يخرق السماوات السبع وينفذ فيها فيرى منها. وسمي طارقاً، لأنه يطرق ليلاً، والمقسم عليه قوله: { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } يحفظ عليها أعمالها الصالحة والسيئة، وستجازى بعملها المحفوظ عليها، { فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي: فليتدبر خلقته ومبدأه، فإنه مخلوق { مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } وهو: المني الذي { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يحتمل أنه من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهي ثدياها. ويحتمل أن المراد المني الدافق، وهو مني الرجل، وأن محله الذي يخرج منه ما بين صلبه وترائبه، ولعل هذا أولى، فإنه إنما وصف الله به الماء الدافق، والذي يحس [به] ويشاهد دفقه، هو مني الرجل، وكذلك لفظ الترائب فإنها تستعمل في الرجل، فإن الترائب للرجل، بمنزلة الثديين للأنثى، فلو أريدت الأنثى، لقال: " من بين الصلب والثديين " ، ونحو ذلك، والله أعلم. فالذي أوجد الإنسان من ماء دافق، يخرج من هذا الموضع الصعب، قادر على رجعه في الآخرة، وإعادته للبعث، والنشور [والجزاء]، وقد قيل: إن معناه، أن الله على رجع الماء المدفوق في الصلب لقادر، وهذا - وإن كان المعنى صحيحاً - فليس هو المراد من الآية، ولهذا قال بعده: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي: تختبر سرائر الصدور، ويظهر ما كان في القلوب من خير وشر على صفحات الوجوه قال تعالى:يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106] ففي الدنيا، تنكتم كثير من الأمور، ولا تظهر عياناً للناس، وأما في القيامة، فيظهر برُّ الأبرار، وفجور الفجار، وتصير الأمور علانية، { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ } يدفع بها عن نفسه، { وَلاَ نَاصِرٍ } خارجي ينتصر به، فهذا القَسَمُ على حالة العاملين وقت عملهم وعند جزائهم. ثم أقسم قسماً ثانياً على صحة القرآن، فقال: { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي: ترجع السماء بالمطر كل عام، وتنصدع الأرض للنبات، فيعيش بذلك الآدميون والبهائم، وترجع السماء أيضاً بالأقدار والشؤون الإلهية كل وقت، وتنصدع الأرض عن الأموات، { إِنَّهُ } أي: القرآن { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي: حق وصدق بَيّنٌ واضح. { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } أي: جد ليس بالهزل، وهو القول الذي يفصل بين الطوائف والمقالات، وتنفصل به الخصومات. { إِنَّهُمْ } أي: المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم، وللقرآن { يَكِيدُونَ كَيْداً } ليدفعوا بكيدهم الحق، ويؤيدوا الباطل، { وَأَكِيدُ كَيْداً } لإظهار الحق، ولو كره الكافرون، ولدفع ما جاؤوا به من الباطل، ويعلم بهذا من الغالب، فإن الآدمي أضعف وأحقر من أن يغالب القوي العليم في كيده، { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } أي: قليلاً، فسيعلمون عاقبة أمرهم، حين ينزل بهم العقاب.