الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذه معاتبة من اللّه لرسوله وللمؤمنين يوم " بدر " إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء، وكان رأي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في هذه الحال، قتلهم واستئصالهم. فقال تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: ما ينبغي ولا يليق به إذا قاتل الكفار الذين يريدون أن يطفؤوا نور اللّه ويسعوا لإخماد دينه، وأن لا يبقى على وجه الأرض من يعبد اللّه، أن يتسرع إلى أسرهم وإبقائهم لأجل الفداء الذي يحصل منهم، وهو عرض قليل بالنسبة إلى المصلحة المقتضية لإبادتهم وإبطال شرهم، فما دام لهم شر وصولة، فالأوفق أن لا يؤسروا. فإذا أثخنوا، وبطل شرهم، واضمحل أمرهم، فحينئذٍ لا بأس بأخذ الأسرى منهم وإبقائهم. يقول تعالى: { تُرِيدُونَ } بأخذكم الفداء وإبقائهم { عَرَضَ ٱلدُّنْيَا } أي: لا لمصلحة تعود إلى دينكم. { وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } بإعزاز دينه، ونصر أوليائه، وجعل كلمتهم عالية فوق غيرهم، فيأمركم بما يوصل إلى ذلك. { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: كامل العزة، ولو شاء أن ينتصر من الكفار من دون قتال لفعل، لكنه حكيم، يبتلي بعضكم ببعض. { لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ } به القضاء والقدر، أنه قد أحل لكم الغنائم، وأن اللّه رفع عنكم - أيها الأمة - العذاب { لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وفي الحديث: " لو نزل عذاب يوم بدر، ما نجا منه إلا عمر ". { فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً } وهذا من لطفه تعالى بهذه الأمة، أن أحل لها الغنائم ولم يحلها لأمة قبلها. { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في جميع أموركم ولازموها، شكراً لنعم اللّه عليكم، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } يغفر لمن تاب إليه جميع الذنوب، ويغفر لمن لم يشرك به شيئاً جميع المعاصي. { رَّحِيمٌ } بكم، حيث أباح لكم الغنائم وجعلها حلالاً طيباً.