الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ذكر الله في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل، أو ثلثه أو ثلثيه، والأصل أن أمته أسوة له في الأحكام، وذكر في هذا الموضع، أنه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين. ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال: { وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى. { عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ } أي: [لن] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص، لكون ذلك يستدعي انتباهاً وعناءً زائداً أي: فخفف عنكم، وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص، { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلْقُرْآنِ } أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم، ولهذا كان المصلي بالليل مأموراً بالصلاة ما دام نشيطاً، فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة. ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف، فقال: { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ } يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، فليصل المريض المتسهل عليه، ولا يكون أيضاً مأموراً بالصلاة قائماً عند مشقة ذلك، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها [وله أجر ما كان يعمل صحيحاً]. { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق، ويتكففوا عن الناس أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد، وقصر الصلاة الرباعية. وكذلك { وَآخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } فذكر تعالى تخفيفين، تخفيفاً للصحيح المقيم، يراعي فيه نشاطه، من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت، بل يتحرى الصلاة الفاضلة، وهي ثلث الليل بعد نصفه الأول. وتخفيفاً للمريض أو المسافر، سواء كان سفره للتجارة، أو لعبادة، من قتال أو جهاد، أو حج، أو عمرة، ونحو ذلك، فإنه أيضاً يراعي ما لا يكلفه، فلله الحمد والثناء، الذي ما جعل على الأمة في الدين من حرج، بل سهل شرعه، وراعى أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم. ثم أمر العباد بعبادتين، هما أم العبادات وعمادها: إقامة الصلاة، التي لا يستقيم الدين إلا بها، وإيتاء الزكاة التي هي برهان الإيمان، وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين، ولهذا قال: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } بأركانها، وشروطها، ومكملاتها، { وَأَقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } أي: خالصاً لوجه الله، من نيةٍ صادقة، وتثبيتاً من النفس، ومال طيب، ويدخل في هذا، الصدقة الواجبة والمستحبة، ثم حث على عموم الخير وأفعاله، فقال: { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.

السابقالتالي
2