الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

فقالت لهم الملائكة { ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ } أي: في جملة أمم { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } أي: مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار، فاستحق الجميع الخزي والبوار، كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } كما قال تعالى:يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [العنكبوت: 25] { حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } أي: اجتمع في النار جميع أهلها، من الأولين والآخرين، والقادة والرؤساء، والمقلدين الأتباع. { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ } أي: متأخروهم، المتبعون للرؤساء { لأُولاَهُمْ } أي: لرؤسائهم، شاكين إلى اللّه إضلالهم إياهم: { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } أي: عذبهم عذاباً مضاعفاً لأنهم أضلونا، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة. { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ } أي: الرؤساء قالوا لأتباعهم: { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } أي: قد اشتركنا جميعاً في الغي والضلال، وفي فعل أسباب العذاب، فأي: فضل لكم علينا؟ { قَالَ } اللّه { لِكُلٍّ } منكم { ضِعْفٌ } ونصيب من العذاب. { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ولكنه من المعلوم أن عذاب الرؤساء وأئمة الضلال، أبلغ وأشنع من عذاب الأتباع، كما أن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع، قال تعالى:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ } [النحل: 88] فهذه الآيات ونحوها، دلّت على أن سائر أنواع المكذبين بآيات اللّه، مخلدون في العذاب، مشتركون فيه وفي أصله، وإن كانوا متفاوتين في مقداره، بحسب أعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم، وأن مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة.