الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } * { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }

يخبر تعالى عن كماله، وعظمة سلطانه، وقوة اقتداره، وسعة رحمته، وعموم كرمه، وشدة عنايته بخلقه، فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ } شامل لسائر الحبوب التي يباشر الناس زرعها، والتي لا يباشرونها، كالحبوب التي يبثها الله في البراري والقفار، فيفلق الحبوب عن الزروع والنوابت، على اختلاف أنواعها، وأشكالها ومنافعها، ويفلق النوى عن الأشجار من النخيل والفواكه، وغير ذلك. فينتفع الخلق من الآدميين والأنعام والدواب. ويرتعون فيما فلق الله من الحب والنوى، ويقتاتون وينتفعون بجميع أنواع المنافع التي جعلها الله في ذلك. ويريهم الله من بره وإحسانه ما يبهر العقول، ويذهل الفحول، ويريهم من بدائع صنعته وكمال حكمته، ما به يعرفونه ويوحدونه، ويعلمون أنه هو الحق، وأن عبادة ما سواه باطلة. { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } كما يخرج من المني حيواناً، ومن البيضة فرخاً، ومن الحب والنوى زرعاً وشجراً. { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ } وهو الذي لا نمو فيه، أو لا روح { مِنَ ٱلْحَيِّ } كما يخرج من الأشجار والزروع، النوى والحب، ويخرج من الطائر بيضاً، ونحو ذلك. { ذٰلِكُمُ } الذي فعل ما فعل، وانفرد بخلق هذه الأشياء وتدبيرها { ٱللَّهُ } رَبُّكُمْ أي: الذي له الألوهية والعبادة على خلقه أجمعين، وهو الذي ربى جميع العالمين بنعمه، وغذاهم بكرمه. { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي: فأنى تصرفون، وتصدون عن عبادة مَنْ هذا شأنه، إلى عبادة مَنْ لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة، ولا نشوراً؟!! ولما ذكر تعالى مادة خلق الأقوات، ذكر منته بتهيئة المساكن، وخلقه كل ما يحتاج إليه العباد، من الضياء والظلمة، وما يترتب على ذلك من أنواع المنافع والمصالح فقال: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } أي: كما أنه فالق الحب والنوى، كذلك هو فالق ظلمة الليل الداجي، الشامل لما على وجه الأرض، بضياء الصبح الذي يفلقه شيئاً فشيئاً، حتى تذهب ظلمة الليل كلها، ويخلفها الضياء والنور العام، الذي يتصرف به الخلق في مصالحهم ومعايشهم، ومنافع دينهم ودنياهم. ولما كان الخلق محتاجين إلى السكون والاستقرار والراحة، التي لا تتم بوجود النهار والنور { جَعَلَ } الله { ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } يسكن فيه الآدميون إلى دورهم ومنامهم، والأنعام إلى مأواها، والطيور إلى أوكارها، فتأخذ نصيبها من الراحة، ثم يزيل الله ذلك، بالضياء، وهكذا أبدا إلى يوم القيامة { وَ } جعل تعالى { ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } بهما تعرف الأزمنة والأوقات، فتنضبط بذلك أوقات العبادات، وآجال المعاملات، ويعرف بها مدة ما مضى من الأوقات التي لولا وجود الشمس والقمر وتناوبهما واختلافهما - لما عرف ذلك عامة الناس، واشتركوا في علمه، بل كان لا يعرفه إلا أفراد من الناس بعد الاجتهاد، وبذلك يفوت من المصالح الضرورية ما يفوت. { ذٰلِكَ } التقدير المذكور { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ } الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات العظيمة، فجرت مذللة مسخرة بأمره، بحيث لا تتعدى ما حده الله لها، ولا تتقدم عنه ولا تتأخر { ٱلْعَلِيمِ } الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن، والأوائل والأواخر.

السابقالتالي
2