الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } * { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممن كَذَبَ [على] الله، بأن نسب إلى الله قولاً أو حكماً وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأن فيه من الكذب وتغيير الأديان أصولها وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله -ما هو من أكبر المفاسد. ويدخل في ذلك ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه وهو كاذب في ذلك، فإنه - مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه - يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم. ويدخل في هذه الآية كل مَنْ ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب والأسود العَنْسي والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف. { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ } أي: ومن أظلم ممن زعم، أنه يقدر على ما يقدر الله عليه، ويجاري الله في أحكامه، ويشرع من الشرائع كما شرعه الله، ويدخل في هذا كل مَنْ يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن، وأنه في إمكانه أن يأتي بمثله. وأي: ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات، الناقص من كل وجه، مشاركة القوي الغني، الذي له الكمال المطلق، من جميع الوجوه، في ذاته وأسمائه وصفاته؟!! ولما ذم الظالمين ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار، ويوم القيامة، فقال: { وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ } أي: شدائده وأهواله الفظيعة، وكُرَبه الشنيعة - لرأيت أمراً هائلاً، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها. { وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ } إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها، وتعصيها للخروج من الأبدان: { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي: العذاب الشديد، الذي يهينكم ويذلكم، والجزاء من جنس العمل، فإن هذا العذاب { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ } من كذبكم عليه، وردكم للحق، الذي جاءت به الرسل. { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } أي: تَرَفَّعُون عن الانقياد لها، والاستسلام لأحكامها. وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه، فإن هذا الخطاب والعذاب الموجه إليهم، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده. وفيه دليل، على أن الروح جسم يدخل ويخرج، ويخاطب، ويساكن الجسد ويفارقه، فهذه حالهم في البرزخ. وأما يوم القيامة فإنهم إذا وردوها، وردوها مفلسين فرادى بلا أهل ولا مال ولا أولاد ولا جنود ولا أنصار، كما خلقهم الله أول مرة، عارين من كل شيء. فإن الأشياء، إنما تتمول وتحصل بعد ذلك بأسبابها التي هي أسبابها، وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الأمور التي كانت مع العبد في الدنيا، سوى العمل الصالح والعمل السيِّىء، الذي هو مادة الدار الآخرة، الذي تنشأ عنه، ويكون حسنها وقبحها، وسرورها وغمومها، وعذابها ونعيمها، بحسب الأعمال.

السابقالتالي
2