الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }

{ قُلْ } يا أيها الرسول للمشركين بالله، الداعين معه غيره، الذين يدعونكم إلى دينهم، مبيناً وشارحاً لوصف آلهتهم، التي يكتفي العاقل بذكر وصفها عن النهي عنها، فإن كل عاقل إذا تصور مذهب المشركين جزم ببطلانه قبل أن تقام البراهين على ذلك، فقال: { أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } وهذا وصف يدخل فيه، كل مَن عُبِد مِنْ دون الله، فإنه لا ينفع ولا يضر، وليس له من الأمر شيء، إن الأمر إلا لله. { وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا } أي: وننقلب بعد هداية الله لنا إلى الضلال، ومن الرشد إلى الغي، ومن الصراط الموصل إلى جنات النعيم، إلى الطرق التي تفضي بسالكها إلى العذاب الأليم، فهذه حال لا يرتضيها ذو رشد، وصاحبها { ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ } أي: أضلته وتيهته عن طريقه ومنهجه، الموصل له إلى مقصده. فبقي { حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } والشياطين يدعونه إلى الردى، فبقي بين الداعين حائراً وهذه حال الناس كلهم، إلا مَنْ عصمه الله تعالى، فإنهم يجدون فيهم جواذب ودواعي متعارضة، دواعي الرسالة والعقل الصحيح، والفطرة المستقيمة { يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى } والصعود إلى أعلى عليين. ودواعي الشيطان ومَنْ سلك مسلكه، والنفس الأمارة بالسوء، يدعونه إلى الضلال، والنزول إلى أسفل سافلين، فمن الناس مَنْ يكون مع داعي الهدى في أموره كلها أو أغلبها، ومنهم مَنْ بالعكس من ذلك. ومنهم مَنْ يتساوى لديه الداعيان، ويتعارض عنده الجاذبان، وفي هذا الموضع تعرف أهل السعادة من أهل الشقاوة. وقوله: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } أي: ليس الهدى إلا الطريق التي شرعها الله على لسان رسوله، وما عداه فهو ضلال وردى وهلاك. { وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } بأن ننقاد لتوحيده، ونستسلم لأوامره ونواهيه، وندخل تحت عبوديته، فإن هذا أفضل نعمة أنعم الله بها على العباد، وأكمل تربية أوصلها إليهم. { وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ } أي: وأمرنا أن نقيم الصلاة بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها. { وَٱتَّقُوهُ } بفعل ما أمر به، واجتناب ما عنه نهى. { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } أي: تُجْمَعون ليوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها. { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم، { وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } الذي لا مرية فيه ولا مثنوية، ولا يقول شيئاً عبثاً { وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ } أي: يوم القيامة، خصه بالذكر - مع أنه مالك كل شيء - لأنه تنقطع فيه الأملاك، فلا يبقى ملك إلا الله الواحد القهار. { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } الذي له الحكمة التامة، والنعمة السابغة، والإحسان العظيم، والعلم المحيط بالسرائر والبواطن والخفايا، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.