الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } * { قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ }

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } لهؤلاء المشركين الذين يدعون مع الله آلهة أخرى: { إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأنداد والأوثان التي لا تملك نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فإن هذا باطل، وليس لكم فيه حجة بل ولا شبهة، إلا اتباع الهوى الذي اتباعه أعظم الضلال، ولهذا قال: { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً } أي: إن اتبعت أهواءكم { وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } بوجه من الوجوه، وأما ما أنا عليه من توحيد الله وإخلاص العمل له، فإنه هو الحق الذي تقوم عليه البراهين والأدلة القاطعة. وأنا { عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي } أي: على يقين مبين، بصحته وبطلان ما عداه، وهذه شهادة من الرسول جازمة لا تقبل التردد، وهو أعدل الشهود على الإطلاق. فصدق بها المؤمنون، وتبين لهم من صحتها وصدقها، بحسب ما مَنَّ الله به عليهم. { وَ } لكنكم أيها المشركون - { كَذَّبْتُم بِهِ } وهو لا يستحق هذا منكم، ولا يليق به إلا التصديق، وإذا استمررتم على تكذيبكم، فاعلموا أن العذاب واقع بكم لا محالة، وهو عند الله، هو الذي ينزله عليكم إذا شاء وكيف شاء، وإن استعجلتم به فليس بيدي من الأمر شيء { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ } فكما أنه هو الذي حكم بالحكم الشرعي، فأمر ونهى، فإنه سيحكم بالحكم الجزائي، فيثيب ويعاقب، بحسب ما تقتضيه حكمته. الاعتراض على حكمه مطلقاً مدفوع، وقد أوضح السبيل وقص على عباده الحق قصاً، قطع به معاذيرهم، وانقطعت له حجتهم، ليهلك مَنْ هلك عن بيّنة، ويحيا مَنْ حيَّ عن بيّنة { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ } بين عباده في الدنيا والآخرة، فيفصل بينهم فصلاً يحمده عليه، حتى مَنْ قضى عليه، ووجه الحق نحوه. { قُل } للمستعجلين بالعذاب، جهلاً وعناداً وظلماً، { لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فأوقعته بكم ولا خير لكم في ذلك، ولكن الأمر عند الحليم الصبور، الذي يعصيه العاصون، ويتجرأ عليه المتجرؤون، وهو يعافيهم ويرزقهم ويسدي عليهم نعمه الظاهرة والباطنة. { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ } لا يخفى عليه من أحوالهم شيء، فيمهلهم ولا يهملهم.