الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } * { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

اعلم أن هذه السورة الكريمة قد اشتملت على تقرير التوحيد بكل دليل عقلي ونقلي، بل كادت أن تكون كلها في شأن التوحيد ومجادلة المشركين بالله المكذبين لرسوله. فهذه الآيات ذكر الله فيها ما يتبين به الهدى، وينقمع به الشرك. فذكر أن { وَلَهُ } تعالى { مَا سَكَنَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } وذلك هو المخلوقات كلها، من آدميها وجِنِّها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربهم العظيم القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل أن يعبد مِن هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الإخلاص للخالق المدبر المالك، الضار النافع؟! أم العقول السليمة والفطر المستقيمة تدعو إلى إخلاص العبادة، والحب والخوف، والرجاء لله رب العالمين؟!. { ٱلسَّمِيعُ } لجميع الأصوات على اختلاف اللغات بتفنن الحاجات. { ٱلْعَلِيمُ } بما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف كان يكون، المطلع على الظواهر والبواطن؟!. { قُلْ } لهؤلاء المشركين بالله: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } من هؤلاء المخلوقات العاجزة يتولاني وينصرني؟!. فلا أتخذ من دونه تعالى ولياً لأنه فاطر السماوات والأرض، أي: خالقهما ومدبرهما. { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } أي: وهو الرزاق لجميع الخلق، من غير حاجة منه تعالى إليهم، فكيف يليق أن أتخذ ولياً غير الخالق الرزاق، الغني الحميد؟! { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } لله بالتوحيد، وانقاد له بالطاعة، لأني أولى من غيري بامتثال أوامر ربي. { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } أي: ونهيت أيضاً عن أن أكون من المشركين، لا في اعتقادهم ولا في مجالستهم، ولا في الاجتماع بهم، فهذا أفرض الفروض عليَّ، وأوجب الواجبات. { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فإن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار، وذلك اليوم هو اليوم الذي يُخاف عذابه، ويُحذر عقابه لأنه مَن صُرف عنه العذاب يومئذ فهو المرحوم، ومَنْ نجا فيه فهو الفائز حقاً، كما أن مَنْ لم ينج منه فهو الهالك الشقي. ومن أدلة توحيده، أنه تعالى المنفرد بكشف الضراء، وجلب الخير والسراء ولهذا قال: { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ } من فقر، أو مرض، أو عسر، أو غم، أوهم أو نحوه. { فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }. فإذا كان وحده النافع الضار، فهو الذي يستحق أن يفرد بالعبودية والإلهية. { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } فلا يتصرف منهم متصرف، ولا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بمشيئته، وليس للملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه، بل هم مدبرون مقهورون، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهوراً، كان هو المستحق للعبادة. { وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ } فيما أمر به ونهى، وأثاب وعاقب، وفيما خلق وقدّر.

السابقالتالي
2