الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ } لهؤلاء الذين حرَّموا ما أحل الله: { تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } تحريماً عاماً شاملاً لكل أحد، محتوياً على سائر المحرمات، من المآكل والمشارب والأقوال والأفعال. { أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } أي: لا قليلاً ولا كثيراً. وحقيقة الشرك بالله: أن يعبد المخلوق كما يعبد الله، أو يعظم كما يعظم الله، أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية والإلهية، وإذا ترك العبد الشرك كله صار موحداً، مخلصاً لله في جميع أحواله، فهذا حق الله على عباده، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. ثم بدأ بآكد الحقوق بعد حقه فقال: { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } من الأقوال الكريمة الحسنة، والأفعال الجميلة المستحسنة، فكل قول وفعل يحصل به منفعة للوالدين أو سرور لهما، فإن ذلك من الإحسان، وإذا وجد الإحسان انتفى العقوق. { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ } من ذكور وإناث { مِّنْ إمْلاَقٍ } أي: بسبب الفقر وضيقكم من رزقهم، كما كان ذلك موجوداً في الجاهلية القاسية الظالمة، وإذا كانوا منهيين عن قتلهم في هذه الحال وهم أولادهم، فنهيهم عن قتلهم لغير موجب، أو قتل أولاد غيرهم من باب أولى وأحرى. { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } أي: قد تكفلنا برزق الجميع، فلستم الذين ترزقون أولادكم، بل ولا أنفسكم، فليس عليكم منهم ضيق. { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ } وهي: الذنوب العظام المستفحشة، { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي: لا تقربوا الظاهر منها والخفي، أو المتعلق منها بالظاهر، والمتعلق بالقلب والباطن. والنهي عن قربان الفواحش أبلغ من النهي عن مجرد فعلها، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها ووسائلها الموصلة إليها. { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأُنثى، صغيرٍ وكبير، بَر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق. { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. { ذٰلِكُمْ } المذكور { وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } عن الله وصيته، ثم تحفظونها، ثم تراعونها وتقومون بها. ودلت الآية على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به. { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ } بأكل، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم، أو أخذ من غير سبب. { إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم، وينتفعون بها. فدل هذا على أنه لا يجوز قربانها والتصرف بها على وجه يضر اليتامى، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة، { حَتَّىٰ يَبْلُغَ } اليتيم { أَشُدَّهُ } أي: حتى يبلغ ويرشد، ويعرف التصرف، فإذا بلغ أشده، أُعطي حينئذ مالُه، وتصرف فيه على نظره. وفي هذا دلالة على أن اليتيم - قبل بلوغ الأشُد - محجور عليه، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ، وأن هذا الحجر ينتهي ببلوغ الأشُد.

السابقالتالي
2