الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } * { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }

يخبر تعالى: أنه مع إحسانه لعباده وتعرفه إليهم بآياته البينات، وحججه الواضحات - أن المشركين به من قريش وغيرهم، جعلوا له شركاء يدعونهم ويعبدونهم من الجن والملائكة، الذين هم خلق من خلق الله، ليس فيهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، فجعلوها شركاء لمن له الخلق والأمر، وهو المنعم بسائر أصناف النِّعَمْ، الدافع لجميع النقم، وكذلك " خرق المشركون " أي: ائتفكوا، وافتروا من تلقاء أنفسهم لله، بنين وبنات بغير علم منهم، ومن أظلم ممن قال على الله بلا علم، وافترى عليه أشنع النقص، الذي يجب تنزيه الله عنه؟!!. ولهذا نزه نفسه عمّا افتراه عليه المشركون، فقال: { سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } فإنه تعالى الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وآفة وعيب. { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: خالقهما، ومتقن صنعتهما، على غير مثال سبق، بأحسن خلق، ونظام وبهاء، لا تقترح عقول أولي الألباب مثله، وليس له في خلقهما مشارك. { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } أي: كيف يكون لله الولد، وهو الإله السيد الصمد، الذي لا صاحبة له، أي: لا زوجة له، وهو الغني عن مخلوقاته، وكلها فقيرة إليه، مضطرة في جميع أحوالها إليه، والولد لا بد أن يكون من جنس والده، والله خالق كل شيء وليس شيء من المخلوقات مشابهاً لله بوجه من الوجوه. ولما ذكر عموم خلقه للأشياء، ذكر إحاطة علمه بها فقال: { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وفي ذكر العلم بعد الخلق، إشارة إلى الدليل العقلي إلى ثبوت علمه، وهو هذه المخلوقات، وما اشتملت عليه من النظام التام، والخلق الباهر فإن في ذلك دلالة على سعة علم الخالق، وكمال حكمته، كما قال تعالى:أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14] وكما قال تعالى:وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } [يس: 81] ذلكم الذي خلق ما خلق، وقدر ما قدر. { ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي: المألوه المعبود، الذي يستحق نهاية الذل، ونهاية الحب، الرب الذي ربى جميع الخلق بالنِّعَمْ، وصرف عنهم صنوف النقم. { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } أي: إذا استقر وثبت أنه الله الذي لا إله إلاّ هو، فاصرفوا له جميع أنواع العبادة، وأخلصوها لله، واقصدوا بها وجهه. فإن هذا هو المقصود من الخلق الذي خلقوا لأجلهوَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56]. { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي: جميع الأشياء، تحت وكالة الله وتدبيره، خلقاً وتدبيراً وتصريفاً. ومن المعلوم، أن الأمر المتصرف فيه يكون استقامته وتمامه، وكمال انتظامه، بحسب حال الوكيل عليه. ووكالته تعالى على الأشياء ليست من جنس وكالة الخلق، فإن وكالتهم وكالة نيابة، والوكيل فيها تابع لموكله. وأما الباري تبارك وتعالى، فوكالته من نفسه لنفسه، متضمنة لكمال العلم، وحسن التدبير والإحسان فيه والعدل، فلا يمكن لأحد، أن يستدرك على الله، ولا يرى في خلقه خللاً ولا فطوراً، ولا في تدبيره نقصاً وعيباً.

السابقالتالي
2