الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

نزلت هذه الآيات الكريمات في رجل من الأنصار اشتكته زوجته [إلى الله، وجادلته] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمها على نفسه، بعد الصحبة الطويلة، والأولاد، وكان هو رجلاً شيخاً كبيراً، فشكت حالها وحاله إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكررت ذلك، وأبدت فيه وأعادت. فقال تعالى: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ } أي: تخاطبكما فيما بينكما، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لجميع الأصوات، في جميع الأوقات، على تفنن الحاجات. { بَصِيرٌ } يبصر دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وهذا إخبار عن كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالأمور الدقيقة والجليلة، وفي ضمن ذلك الإشارة بأن الله [تعالى] سيزيل شكواها، ويرفع بلواها، ولهذا ذكر حكمها، وحكم غيرها على وجه العموم، فقال: { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ }. المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: " أنت عليَّ كظهر أمي " ، أو غيرها من محارمه، أو " أنت عليَّ حرام " ، وكان المعتاد عندهم في هذا لفظ " الظهر " ولهذا سماه الله " ظهاراً " فقال: { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } أي: كيف يتكلمون بهذا الكلام الذي يعلم أنه لا حقيقة له، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنَهم؟ ولهذا عظم الله أمره وقبحه، فقال: { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً } أي: قولاً شنيعاً، { وَزُوراً } أي: كذباً. { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } عمن صدر منه بعض المخالفات، فتداركها بالتوبة النصوح. { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } اختلف العلماء في معنى العود، فقيل: معناه العزم على جماع من ظاهر منها، وأنه بمجرد عزمه تجب عليه الكفارة المذكورة، ويدلّ على هذا أن الله تعالى ذكر في الكفارة أنها تكون قبل المسيس، وذلك إنما يكون بمجرد العزم، وقيل: معناه حقيقة الوطء، ويدلّ على ذلك أن الله قال: { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ } والذي قالوا إنما هو الوطء. وعلى كل من القولين { فـَ } إذا وجد العود، صار كفارة هذا التحريم { تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } مُؤْمِنَةٍ كما قيدت في آية أخر، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون سالمة من العيوب المضرة بالعمل. { مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا } أي: يلزم الزوج أن يترك وطء زوجته التي ظاهر منها حتى يكفر برقبة. { ذَلِكُمْ } الحكم الذي ذكرناه لكم، { تُوعَظُونَ بِهِ } أي: يبين لكم حكمه مع الترهيب المقرون به، لأن معنى الوعظ ذكر الحكم مع الترغيب والترهيب، فالذي يريد أن يظاهر، إذا ذكر أنه يجب عليه عتق رقبة كف نفسه عنه، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازي كل عامل بعمله.

السابقالتالي
2