الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

لما ذكر تبارك وتعالى حال المكذبين لرسوله، وأن الآيات لا تنفع فيهم، ولا تجدي عليهم شيئاً، أنذرهم وخوَّفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل، وكيف أهلكهم الله وأحلَّ بهم عقابه. فذكر قوم نوح، أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبدون الأصنام، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا:وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } [نوح: 23]. ولم يزل نوح يدعوهم إلى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، فلم يزدهم ذلك إلا عناداً وطغياناً، وقدحاً في نبيهم، ولهذا قال هنا: { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } لزعمهم أن ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدلّ عليه العقل، وأن ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال، لا يصدر إلا من المجانين، وكذبوا في ذلك، وقلبوا الحقائق الثابتة شرعاً وعقلاً، فإن ما جاء به هو الحق الثابت، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة، إلى الهدى والنور والرشد، وما هم عليه جهل وضلال مبين، [وقوله:] { وَٱزْدُجِرَ } أي: زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى، فلم يكفهم - قبحهم الله - عدم الإيمان به، ولا تكذيبهم إياه، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه، وهكذا جميع أعداء الرسل، هذه حالهم مع أنبيائهم، فعند ذلك دعا نوح ربه [فقال:] { أَنِّي مَغْلُوبٌ } لا قدرة لي على الانتصار منهم، لأنه لم يؤمن من قومه إلا القليل النادر، ولا قدرة لهم على مقاومة قومهم، { فَٱنتَصِرْ } اللهم لي منهم، وقال في الآية الأخرى:رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26] الآيات، فأجاب الله سؤاله، وانتصر له من قومه، قال تعالى: { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } أي: كثير جداً متتابع، { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } فجعلت السماء ينزل منها من الماء شيء خارق للعادة، وتفجرت الأرض كلها، حتى التنور الذي لم تجر العادة بوجود الماء فيه، فضلاً عن كونه منبعاً للماء، لأنه موضع النار. { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } أي: ماء السماء والأرض { عَلَىٰ أَمْرٍ } من الله له بذلك، { قَدْ قُدِرَ } أيّ: قد كتبه الله في الأزل وقضاه، عقوبة لهؤلاء الظالمين الطاغين، { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } أي: ونجينا عبدنا نوحاً على السفينة ذات الألواح والدسر أي: المسامير [التي] قد سمرت [بها] ألواحها وشد بها أسرها، { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي: تجري بنوح ومن آمن معه، ومن حمله من أصناف المخلوقات برعاية من الله، وحفظ [منه] لها عن الغرق [ونظرٍ]، وكلائه منه تعالى، وهو نعم الحافظ الوكيل، { جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } أي: فعلنا بنوح ما فعلنا من النجاة من الغرق العام، جزاء له حيث كذبه قومه وكفروا به فصبر على دعوتهم، واستمر على أمر الله، فلم يرده عنه راد، ولا صده عنه صاد، كما قال [تعالى] عنه في الآية الأخرى:

السابقالتالي
2