الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }

يقول تعالى - مخوفاً للمشركين المكذبين للرسول:- { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } أي: أمماً كثيرة هم أشد من هؤلاء بطشاً أي: قوةً وآثاراً في الأرض. ولهذا قال: { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أي: بنوا الحصون المنيعة والمنازل الرفيعة، وغرسوا الأشجار، وأجروا الأنهار، وزرعوا، وعمروا، ودمَّروا، فلما كذَّبوا رسل الله، وجحدوا آيات الله، أخذهم الله بالعقاب الأليم، والعذاب الشديد، فـ { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي: لا مفر لهم من عذاب الله حين نزل بهم ولا منقذ، فلم تغن عنهم قوتهم، ولا أموالهم، ولا أولادهم. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي: قلب عظيم حيٌّ ذكيٌّ زكِيٌّ، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله، تذكر بها، وانتفع فارتفع، وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله، واستمعها استماعاً يسترشد به، وقلبه { شَهِيدٌ } أي: حاضر، فهذا له أيضاً ذكرى وموعظة، وشفاء وهدى. وأما المعرض، الذي لم يلق سمعه إلى الآيات، فهذا لا تفيده شيئاً، لأنه لا قبول عنده، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته.