الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } * { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } * { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }

لما ذكر تعالى حالة المكذبين وما ذمهم به، دعاهم إلى النظر في آياته الأفقية، كي يعتبروا، ويستدلوا بها على ما جعلت أدلة عليه فقال: { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ } أي: لا يحتاج ذلك النظر إلى كلفة وشد رحل، بل هو في غاية السهولة، فينظرون { كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } قبة مستوية الأرجاء، ثابتة البناء، مزينة بالنجوم الخنس، والجوار الكنس، التي ضربت من الأفق إلى الأفق في غاية الحسن والملاحة، لا ترى فيها عيباً، ولا فروجاً، ولا خلالاً، ولا إخلالاً. قد جعلها الله سقفاً لأهل الأرض، وأودع فيها من مصالحهم الضرورية ما أودع. { وَ } إلى { ٱلأَرْضَ } كيف { مَدَدْنَاهَا } ووسعناها، حتى أمكن كل حيوان السكون فيها والاستقرار، والاستعداد لجميع مصالحه، وأرساها بالجبال، لتستقر من التزلزل والتموج، { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } أي: من كل صنف من أصناف النبات التي تسر ناظرها، وتعجب مبصرها، وتقر عين رامقها، لأكل بني آدم، وأكل بهائمهم ومنافعهم، وخص من تلك المنافع بالذكر، الجنات المشتملة على الفواكه اللذيذة، من العنب والرمان والأترج والتفاح، وغير ذلك من أصناف الفواكه، ومن النخيل الباسقات أي: الطوال، التي يطول نفعها وترتفع إلى السماء، حتى تبلغ مبلغاً لا يبلغه كثير من الأشجار، فتخرج من الطلع النضيد، في قنوانها ما هو رزق للعباد قوتاً وأدماً وفاكهة، يأكلون منه ويدخرون، هم ومواشيهم وكذلك ما يخرج الله بالمطر، وما هو أثره من الأنهار التي على وجه الأرض، والتي تحتها من حب الحصيد، أي: من الزرع المحصود، من بُرٍّ وشعير، وذرة، وأرز، ودخن وغيره. فإن في النظر في هذه الأشياء { تَبْصِرَةً } يتبصر بها من عمى الجهل، { وَذِكْرَىٰ } يتذكر بها، ما ينفع في الدين والدنيا، ويتذكر بها ما أخبر الله به، وأخبرت به رسله، وليس ذلك لكل أحد، بل { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } إلى الله أي: مقبل عليه بالحب والخوف والرجاء، وإجابة داعيه، وأما المكذب أو المعرض، فما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون. وحاصل هذا، أن ما فيها من الخلق الباهر، والشدة والقوة، دليل على كمال قدرة الله تعالى، وما فيها من الحسن والإتقان، وبديع الصنعة، وبديع الخلقة، دليل على أن الله أحكم الحاكمين، وأنه بكل شيء عليم، وما فيها من المنافع والمصالح للعباد، دليل على رحمة الله التي وسعت كل شيء، وجوده الذي عم كل حي، وما فيها من عظم الخلقة وبديع النظام، دليل على أن الله تعالى هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، ولم يكن له كفواً أحد، وأنه الذي لا تنبغي العبادة والذل [والحب] إلا له تعالى. وما فيها من إحياء الأرض بعد موتها، دليل على إحياء الله الموتى، ليجازيهم بأعمالهم، ولهذا قال: { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }. ولما ذكرهم بهذه الآيات السماوية والأرضية، خوَّفهم أخذات الأمم، وألاَّ يستمروا على ما هم عليه من التكذيب، فيصيبهم ما أصاب إخوانهم من المكذبين، فقال: { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ... }.